الأربعاء، 15 فبراير 2017

نقمة الثقافة والفكر


معرض الكتاب الدولي بالدار البيضاء
ربما هناك سلطة خفية - أشبه بالاخ الكبير لارويل - تريدنا أن نغادر الفضاء العام لنستقر في خصوصيتنا: كل في قبوه يعيش عالمه الخاص.
زرت المعرض ثلاث مرات هذا الاسبوع وسازوره مرتين فيما تبقى من ايامه. جو حزين جدا: يتبادل فيه المفكرون والمبدعون انتاجاتهم الجديدة والقديمة في صالات لا تتوفر فيها ادنى معايير لاحترام شخصياتهم وسلطتهم المعرفية، أروقة وفضاءات معرفية وفكرية صغيرة للغاية وضيقة جدا، في مقابل اروقة فسيحة للتفاهات التي لا صلة لها بالفكر ولا بالثقافة، ومعارض باذخة لمؤسسات وهمية سخرت ضد سلطة الفكر والثقافة. وكم هو مؤلم ان تحضر حفل توقيع لمثقف او مفكر افنى كل حياته في خدمة الانسانية، ولا يوقع الا 10 نسخ او اقل.

يحرج الادباء والشعراء والمفكرون والمثقفون بعضهم البعض لاقتناء الاعمال ولحضور حفل توقيع صار يضبق اكثر فاكثر في دائرة الاصدقاء والمعارف. حضرت العديد مما استطعت وساهمت بما لدي من مال (والأصح ما اقترضته من مال) ارضاء واحتفاء بكاتب او شاعر او مفكر له مكانته الغالية عندي وعند اهل الفكر والثقافة.
وعن الأثمنة الخيالية التي فرضها سماسرة النشر والطباعة - لعدة تبريرات منها ما هو مقنع ومنها ما يخفي جشعهم للمال - اكتفيت باقتناء ما هو جدير وذات اولوية، أما ما تبقى فأرى ان النسخ الالكترونية المجانية كافية وتفي بالغرض.
يستحسن ان يتحول المعرض الى لقاء بين اهل الفكر والمعرفة والرأي، الى ان يقرر الاهل عزمهم على مواجهة سلطة جائرة او ربما تحولات عميقة وخفية اوصلتنا الى هذا الوضع.
يتباهى البعض بكون نسخة هذا العام متميزة لغياب الحضور الضخم والمكثف للكتب الصفراء التي تمول بالبترو-دولار، ولكنني ارى ان اهل هذا الفكر يعرفون جيدا كيف يتسللون الى العقول والبطون معا، فلهم مداخلهم الخاصة التي تسري كالسرطان، من الممكن ان ينتبه اليها العارفون بشؤون الفكر والثقافة، فكم من دار مشهود لها تحولت عناوينها الى سرطان سلفي واصولي، وتخفي العديد من العناوين التمويهية نزوعاتها الرجعية والماضوية.
لا أتوخى من هذا الكلام احباط ما تبقى من العزائم، بل العكس ينبغي ان نشمر على سواعدنا بما اوتينا لمقاومة موجة التصحر (ارنت) التي تجتاحنا حتى في اقبيتنا الخاصة بفضل وسائل مكثفة ومؤثرة للغاية، فالواحة تقاوم وسط الصحراء وتواجه شتى اشكال التصحر، ووسط العواصف الرملية حياة مليئة بالعنفوان والحيوية. علينا ان نعمل على استعادة فضاءنا العام الذي يعملون على نزعه منا. يا اهل الفكر والثقافة لا تترددوا في اعلان رفضكم لهذا الوضع، لأنه سيتكرر في اكثر من بلد على مر ما تبقى من العام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق