الأربعاء، 1 فبراير 2017

الدِّين والعدالة في الدِيمقراطيَّة الليبرالية

يتعلق السؤال المحوري هنا بوضعية الأديان في مختلف الديمقراطيات الليبراليَّة المعاصرة، لأن ما يميز الدول الليبراليَّة اليوم كما يؤكد ذلك أيضا راولز هو التعدديَّة: تعددية الرؤى الدينيَّة للعالم، ولأنماط الحياة، فما العمل لكي تكون هذه التعدديَّة غنية وتتعايش بدل أن تؤدي إلى انقسام الفضاء العمومي أو تشظيه؟ أي رابط يقوم بين العدالة والدِّين؟ وما محل الدِيمقراطيَّة من ذلك؟
تحدد معظم الدول الليبراليَّة المعاصرة دور الدِّين في الدّولة بموجب الفصل الدستوري بين الدّولة والدِّين، أي بإقرار العلمانيَّة كنمط لتسيير الشؤون البشرية. أو بعبارة أخرى الاعتراف بالحريَّة الدينيَّة كحقوق أساسية كجواب سيَّاسي يستجيب لرهان التعدد الديمقراطي، ذلك أن السُّلطة السيَّاسيَّة في الدول العلمانيَّة لا تتأسس على قاعدة دينيَّة ولا تستند عليها في الوقت الذي تعتبر أن النقاش السيَّاسي والعمومي للدستور هو الكفيل بحسم القضايا الخلافية في إطار مأسسة اللعبة الدِيمقراطيَّة. رغم أن فعل المأسسة هنا لا يعني البتة أنه هو حده يملك شرعية الحكم النهائي، لأن دائرة الرأي العمومي والفضاء السيَّاسي المعارض قد يغير موازين القوى، لذا فمن الأهمية بالنسبة لهابرماس إعادة النظر في بعض أسس الليبراليَّة السيَّاسيَّة التي تدعي بحسب راولز ومختلف الليبراليين المعاصرين القدرة على تجنب الصراعات والتدخلات الدينيَّة في الشؤون السيَّاسيَّة، وهي إعادة نظر لا تستقيم دون مناقشة الاستخدام العمومي للعقل من جهة، ومبدأ حيادية الدّولة من هذا الصراع، فهل يكفي الإقرار بحيادية الأشخاص الذين يتولون مناصب عليا في الدّولة كي نضمن عدم تدخل الآراء الدينيَّة والتصورات العقدية وغير العقدية في الشؤون السيَّاسيَّة؟

في نظريته عن العدالة اشترط جون راولز على المؤمنين المتدينين ليكونوا مقبولين وسط الرأي العام ضرورة استنادهم إلى مقدمات يؤمنون بها على قاعدة حجاجية ويتحفظ على الموظفين في المناصب العليا في الدّولة أمثال القضاة... الذين يتوجب عليهم أن يكونوا علمانيين لحساسية مواقعهم الاجتماعيَّة التي يمكن أن تسمح لهم بإحداث الانشقاق في المجتمع والسُّلطة معا. ويشاطر هابرماس جون راولز في مبدأ حيادية السيَّاسي لأنه مكتسب علماني (حريَّة واسعة في المجتمع المدني وضيقة في المجال السيَّاسي)، ويقدم مثالاً على ذلك حيث يكون هناك صراع سيَّاسي بين الادعاءات التي يقدمها العلم وتلك التي يقدمها الإيمان (أمثلة ذلك البيو إثيقا: الاستنساخ، التعديل الجيني...) فإن الدّولة عليها أن تضمن بحياديتها موضوعية القرار وألا تنحاز لطرف ضد الطرف الآخر، وعليها أن تستند بالأساس إلى حريَّة المعرفة.
وتستند الدّولة الدُستوريَّة المعاصرة على شرعية الدستور كأساس لضمان الدِيمقراطيَّة، لأن الدستور وحده قادر على منح المشروعيَّة وتوفيرها بموجب عنصري: المشاركة السيَّاسيَّة المتساوية لكل المواطنين؛ والبعد المعرفي للتدبير (تدبير الشأن السيَّاسي) الذي يؤسس النتائج المقبولة عقلانياً. وإذا كان هابرماس يوافق راولز في حياديَّة الدّولة فهو يختلف معه بخصوص التعبير الحر للمتدين عن أفكاره وادعاءاته في المجال العمومي (رغم أن راولز يقيد هذا التعبير). وبهذا الصدد يطرح هابرماس مجتمع "التعدديَّة الثقافيَّة" كحل لأنه: تركيبة اجتماعيَّة تسمح بتعايش العلماني والدِّيني وتتجاوز العلمانيَّة الكلاسيكية الفظة إلى ما بعد العلمانيَّة، تلعب فيه الدّولة الدُستوريَّة دوراً محايداً يحترم كل المرجعيات ولا تحكم لطرف ضد طرف آخر، أما دور الفلسفة فهو إعادة قراءة الأديان وتصفيتها من المورثات التقليدية التي تعوق استمرار الإنسانية في حداثتها و تحديثها. فللفلسفة دور هام في نظره لاتصالها بمجمل العلوم الاجتماعيَّة  وللتراكمات التي حققتها طوال تاريخها. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق