السبت، 11 فبراير 2017

تربية دينية أم إسلامية؟


الجزء الاول: نشر في جريدة آخر ساعة يوم السبت 11 فبراير 2016
بعد الشروع في مراجعة مقررات التربية الاسلامية، أثير سجال حاد حول العنوان الذي يمكن أن يعوض "التربية الاسلامية"، ومع أن التربية الدينية – التي اقترحت عنوانا بديلا للتربية الاسلامية - ليس مجرد تسمية أو لفظ بل له من المعاني الكثير، بحيث يختزل في نظرنا قيم التسامح والانفتاح والاعتراف بالغير وبحق الآخر المختلف في اثبات وجوده.

التربية الدينية تسمية تجسد روح التسامح والانفتاح وتضع حق الغير في التربية الدينية الخاصة به، أما التربية الاسلامية فهي تربية تلزم الجميع من منطلق أن جميع المغاربة مسلمون بالقوة، في الوقت الذي وقعت فيه الدولة اتفاقات وعهود دولية تنص على حرية المعتقد والضمير.
يفترض في التربية الدينية الاعلان عن حق المسلم وغير المسلم في تربية دينية يختارها بمحض ارادته أو تختارها أسرته، وكيفما كانت الأرقام التي تعلن عنها الصحافة حول الأقليات الدينية في المغرب: المسيحية، اليهودية... فإن هذه التسمية تعطي الحق لكل الأقليات في اعتماد مقرراتها الخاصة أو اتباع طرقها الخاصة في التربية على الدين: لكن هل يمكن فعلا أن نضع برامج تعليمية خاصة بالتربيَّة الدينيَّة؟
أصبح وضع البرامج التعليمية في المغرب بعد تحرير الكتاب المدرسي تجارة مربحة أكثر من ذي قبل، في حين أن مسألة التأليف المدرسي يمكن أن تعهد لهيئة وطنية مستقلة تضم بالأساس الأساتذة الممارسون لمهنة التدريس ويشهد لهم بكفاءتهم العلمية والمهنية وبمجهوداتهم في البحث العلمي الرصين بدل هيئات معينة ومنتقاة بحكم القرابة والولاء وما الى ذلك.
يحيلنا السؤال الأخير - الذي يبدو ظاهرياً على أنه سياسي وايديولوجي بالدرجة الاولى - على سؤال أعم وراهني: ما موقع السلطات الحكوميَّة والنظام السياسي من تدريس مادة الدِّين؟ أو على الأقل درس الدين؟
الحكم المنطقي والمعقول يقول: يجب أن يبقى التعليم، عموميّاً - وليس تعليم الدين وحده - ومستقلا ومحايداً عن أيَّة وصاية كيفما كانت. يجب أن يبقى محايداً عن النظام السياسي وعن الحكومة والمجتمع المدني؟ كيف ذلك؟
يجب خوصصة التعليم الديني وجعله شأنا خاصا بدل أن يكون عموميا، ونقصد بالتمييز هنا بين الخاص والعام، اعطاء الحق للجميع في اختيار تربية أبنائه الدينية، كما هو معمول به في بعض البلدان الديمقراطية، إذا كان إرادة المغاربة هي التطلع الى نظام ديمقراطي لا يقوم على الجمع بين السلطة الدينية والسلطة السياسية. وبكل تأكيد سيكون هذا الاقرار ثورة حداثية غير مسبوقة في مجتمعنا.
يجب أن يكون التعليم الديني مستقلاً بما تحمله الكلمة من معنى وهنا نطرح مشكلتين رئيستين:
-       مشكلة المشروعية الدينية لنظام الحكم والتي بدونها لن يستطيع ضمان عملية اعادة انتاج الوضع الديني والنخب الدينية التي تلعب دورا هاما في منح الشرعية لامارة المؤمنين
-       مشكلة شرعية الأحزاب الدينية التي تتاجر بالدين لأهداف سياسية محضة، في أفق فرض منظور معين للمجتمع أو رؤية محددة للعالم.
إذا كان الغرض السامي للدِّين هو ضمان تنشئة اجتماعيَّة وتربية أخلاقيَّة لكل المواطنين من أجل الصلاح والطمأنينة والشعور بالسعادة، فإن ذلك لن يتم دوماً بكيفية واحدة: اقرارها في برامج التعليم، فكيف يمكن إذن لتربية دينية موجهة للمواطن في تكوينه وأخلاقه وسعادته أن تكون مادة للتقويم والتنقيط ؟ أداة للنجاح أو السقوط؟
مبدأ الاستقلالية أو الحيادية الذي شرعنا في بعض تفاصيله أعلاه يتطلب حزما عقلانيا وحداثيا. لهذا لا نرى من سبيل غير الحوار لحسم الخيارات المجتمعيَّة الكبرى، أما أن تفرض الحكومة أو النظام تصورهما الخاص على الجميع فذلك غير معقول بتاتا، كما لا يسمح للأحزاب وجمعيات المجتمع المدني بالضغط وفرض رؤاها على الجميع: النقاش العمومي المنفتح والمنظم مؤسساتيا وحده كفيل بالجواب على المشكلات الحقيقية التي تعترض سيرورة التقدم المجتمعي.
يحتكر هذا النقاش غير العمومي تصوران: تصور محافظ وآخر علماني، وما يقترحه كلاهما لن يوصلنا إلى أي حل: حيث كل طرف يسعى إلى إقصاء الآخر، مما يدفع النظام والحكومة إلى فرض آرائها وتوجهاتها وسياستها.
المدرسة العمومية هي مدرسة للجميع، لا ينبغي أن تضع التربية الدينية ضمن برامجها ومناهجها، لأنها مدرسة بشرية لتكوين المواطن والناشئة على قدر ما تزخر به الحضارات البشرية والمعرفة البشرية من خبرات وعلوم. لذا فإن البرامج الدينية مكانها غير المدرسة العمومية وإنما مدارس خاصة يمكن للمواطن ان يسجل أبنائه وفق ارادته الخاصة في تلك المدارس ليتلقى ما يكفي من المبادئ ليصبح صالحا وسعيدا ومطمئنا لوضعه الخاص. وفي سبيل ذلك صار وجود نظام حديث وعلماني مطلبا عقلانيا ومعاصرا لكل المغاربة. وما يعنيه ذلك من اقرار لفصل الدين عن الدولة، فليس من المقبول أن تسهر الدولة على تمويل وادارة التعليم الديني الذي هو من اختصاص المؤسسات والهيئات الدينية الفاعلة في المجتمع.
لدينا وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية التي تعتبر من أغنى الوزارات والتي يمكنها ان تبني مدارس دينية خاصة بالمسلمين لتلقين التربية الدينية، ويمكن ان تمنح لنفس الجماعات الدينية المختلفة: اليهودية والمسيحية نفس الامتيازات، كما لجماعات مسلمة غير سنية (نقصد الشيعة) لابعاد التربية الدينية عن المدرسة العمومية التي من المفروض أن تكون مدرسة للعلوم الوضعية: الفنون، الهندسة، الآداب، المنطق، الفلسفة، العلوم الحقة، المهن...
أبان النقاش الذي أثارته الصحافة خلال فترة الانكباب على مراجعة مناهج ومقررات التربية الاسلامية، عن تخلف واضح اتجاه عنوان التربية الدينية دون مناقشة أبعاده الاستراتيجية مجتمعيا وكونيا. كما أبان عن عجرفة تجار الدين الذي سارعوا الى فرض رؤيتهم الاحادية والمجانبة لمنطق التطور البشري، وقد كانت النتيجة واضحة وجلية جدا من خلال الهجوم على الفلسفة والعلوم الانسانية والعلوم الحقة عامة.
لن يروق هذا الأمر جسمين: النظام السياسي الذي يضمن شرعية استمراره من المشروعية الدينية، والأحزاب المتاجرة بالدين التي تحقق مشروعيتها من ادعائها تمثيلها لفئة دينية معينة. 
تنطلق معظم اصلاحات التعليم من اعتبار الدِّين الإسلامي دين الجميع، ومن ثوابت الأمة التي لا يمكن التراجع عنها، لأنها أساس الهوية الجمعية، ولذلك فلا يزال التعليم الدِّيني حاضرا بقوة في مختلف مستويات التنشئة الاجتماعيَّة من الكتاتيب القرآنية وصولا إلى القيروان ودار الحديث الحسنية... 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق