الاثنين، 13 فبراير 2017

تربية دينية أم إسلامية؟ الجزء الثاني

جريدة آخر ساعة عدد اليوم: 13 فبراير 2017

تنطلق معظم اصلاحات التعليم من اعتبار الدِّين الإسلامي دين الجميع، ومن ثوابت الأمة التي لا يمكن التراجع عنها، لأنها أساس الهوية الجمعية، ولذلك فلا يزال التعليم الدِّيني حاضرا بقوة في مختلف مستويات التنشئة الاجتماعيَّة من الكتاتيب القرآنية وصولا إلى القيروان ودار الحديث الحسنية...
يخضع معظم إن لم نقل جل المتمدرسين إلى تربية دينيَّة عتيقة وعنيفة في خطابها ومحتوياتها العقدية، فبرامج التربية الإسلاميَّة عقيمة ولا تراعي أي تجديد يذكر بل وظفت لتفريخ جيوش من حركات الإسلام السيَّاسي في فترات سابقة، لهذا يحضر الدِّين بشكل قوي في البرامج المدرسية الحكوميَّة وغير الحكوميَّة، ولا يزال التعليم الدِّيني عتيقا ولم يتعرض لأي تحديث يذكر كما هو حال تحديث كمال أتاتورك الذي يشهد له التاريخ على ذلك. كما لا نجد في الدستور المغربي لا في النسخة الأخيرة (2011) ولا في النسخ السابقة ما يشير إلى الحريَّة الدينيَّة لأن الملك هو أمير للمؤمنين وفق ما ينص عليه الفصل 41 وهو الذي يضمن فقط حريَّة ممارسة الشعائر الدينيَّة حيث نقرأ في هذا الفصل ما يلي:

الملك، أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدِّين، والضامن لحريَّة ممارسة الشؤون الدينيَّة.
يرأس الملك، أمير المؤمنين، المجلس العلمي الأعلى، الذي يتولى دراسة القضايا التي يعرضها عليه.
ويعتبر المجلس الجهة الوحيدة المؤهلة لإصدار الفتاوى التي تعتمد رسميا، في شأن المسائل المحالة إليه، استنادا إلى مبادئ وأحكام الدِّين الإسلامي الحنيف، ومقاصده السمحة. وتحدد اختصاصات المجلس وتأليفه وكيفيات سيره بظهير.
يمارس الملك الصلاحيات الدينيَّة المتعلقة بإمارة المؤمنين، والمخولة له حصريا، بمقتضى هذا الفصل، بواسطة ظهائر.
ولا بد أن نسجل هنا أن إمارة المؤمنين هي التي تضمن كل ما يتعلق بالشؤون الدينيَّة وتظل مختلف الصلاحيات والقرارات خاضعة لأوامره ونواهيه بما فيها اصدار الظهائر، وتلك مسألة أخرى بحيث إن الظهائر لا تسير دوما في الاتجاه الذي ترغب فيه مكونات المجتمع أو البعض منها. وعلى هذا الاساس فإن العديد من الأمور التي اعتبرتها الحركة الحقوقية والسيَّاسيَّة بالبلاد مكتسبات عادة ما يتم التنازل عنها في قوانين أخرى ملحقة أو متفرعة عن الدستور من قبيل القانون الجنائي الذي يحد من العديد من الحقوق المضمون في الدستور بما فيه حريَّة المعتقد.
لا يمكن فصل مطلب الحريَّة الدينيَّة عن مطلب حريَّة المعتقد، لذا نشدد على أن حريَّة ممارسة الشؤون الدينيَّة لا علاقة له لا بالحريَّة الدينيَّة ولا بحريَّة المعتقد التي أقرتها المواثيق الدوليَّة لحقوق الإنسان. هكذا فالحريَّة الدينيَّة في نظرنا كمطلب تقع في صلب المس بالشرعيَّة الدينيَّة للملك (إمارة المؤمنين)، لأنها ستسمح للناس باختيار طرق اندماجهم في النِّظام الاجتماعي وبالافكار التي يروناها أساسا لاعتقاداتهم بل ولتعبداتهم. وكلما أحس النِّظام السيَّاسي بخطورة المس بالأساس الدِّيني للمشروعية السيَّاسيَّة كلما اتجه نحو قمع تلك التحركات.
ورغم أن بعض القوانين منعت تأسيس الأحزاب على أساس ديني أو عقدي فإن أغلب الأحزاب السيَّاسيَّة عندنا تتبنى المرجعية الإسلاميَّة، وتشكل أحزاب الإسلام السيَّاسي التي ولجت الحقل السيَّاسي حالات فاقعة. بحيث يشكل الانتماء إلى الإسلام السيَّاسي عائقا أكبر أمام العملية الدِيمقراطيَّة، لأنها أحزاب تستغل موقعها الوظيفي وأدوارها الاجتماعيَّة في العمل الخيري لخدمة أهدافها السيَّاسيَّة، وباستثناء المغرب الذي منع استعمال رموز دينيَّة في الحملات الانتخابية وقد تم تبني ظهير (2014) يمنع من خلاله الفقهاء والأئمة من المشاركة السيَّاسيَّة أو المزاوجة بين الصفة المهنية والصفة السيَّاسيَّة، رغم أن هذه العملية قد تشوبها خروقات عدة. إن مشاركة الأحزاب الإسلاميَّة في الحكومة لا يسمح بفصل الخطاب الدعوي عن الخطاب السيَّاسي، والعديد منها يطرح في برامجه وتوجهاته الايديولوجيَّة مسألة اعادة الاعتبار للإسلام، وإعادة الاعتبار لدور الدين في المجال السياسي العمومي، وهو ما يسمى عادة بأخونة الدولة والمجتمع. غير أن البرامج السيَّاسيَّة التي تدافع عنها هذه الأحزاب تتعارض تماما مع ايديولوجيتها الدينيَّة والعقدية، لأنها برامج ليبراليَّة متوحشة تطبق وتنفذ مجموع المخططات التي يقترحها البنك الدولي، في إجهاز تام على مكتسبات الشعوب.
هكذا يبدوا أن استبدال التربية الاسلامية بالتربية الدينية هو عين الصواب ليس في المقررات المدرسية وإنما في مدارس دينية خصوصية منفصلة عن التعليم العمومي تقدم خدماتها الدينية في مجال التربية والقيم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق