السبت، 4 فبراير 2017

أي حل لإسرائيل ؟

بقلم سيلا بنحبيب
انطلق هجوم اسرائيل على قطاع غزة الذي يأوي حوالي مليون ونصف نسمة من الفلسطينيين، يوم 28 دجنبر 2008، أي في اليوم الأخير من احتفالات هانوكا Hanouka "عيد الأنوار".
تحكي حنوكة قصة العبرانيين القدامى، الذي قادهم يهوذا المكابي، في القرن الثاني قبل الميلاد ضد انطيوخس الرابع ابيفان Antiochus IV Epiphane.  . وتحكي الأسطورة أن المكابيين تمكنوا من التحرر، ووجدوا زيتا لإشعال الشمعدان ليلة واحدة، ومع ذلك أشعلت لمدة ثمانية ليالي.
فقدت إسرائيل رؤيتها السياسية وقوتها العسكرية، ولا معنى سياسي واضح يوجه أفعالها / ممارساتها. القوة العسكرية حرة ووحشية وعمياء  من أجل الوصول إلى أهدافها السياسية. ولا أحد من المسؤولين الإسرائيليين يمتلك رؤية سياسية، ولا أقصد استراتيجية ذات أهداف طويلة المدى محددة بين ولايتين انتخابيتين ويمكن مراجعتها حسب الظروف، وإنما أقصد رؤية سياسية يستطيع مؤسسو الجمهوريات تملكها. كيف يمكن لهذه الجمهورية ضمان الاستمرارية والبقاء؟ ما هي المؤسسات المستدامة يمكنهم أن يتركوها لأبنائهم وأحفادهم، والتي ستضمن لهم الازدهار كأفراد وكمواطنين؟  

أتذكر أيضا المقال الحيوي لادوار سعيد بمجلة نيو يورك تايمز في خريف 1992، والذي أعلن فيه نهاية إيديولوجية منظمة فتح. فالفراغ الذي أحدثه انهيار الايديولوجيات البيروقراطية، والعسكرية، الحديثة والغربية في مجمل العالم العربي، فتح المجال للايديولوجيات الاسلامية التي مثلها حزب الله وحركة حماس. فالاسلاموية الجديدة تمثل رؤية أخلاقية خالصة، تأديبية، تمتح من ثورة آيات الله الخميني ضد الغرب التي لقيت صدى في الأراضي الفلسطينية بفضل خطابها الشرس والداعي الى تدمير الدولة اليهودية، ولقد نجح في ذلك من خلال البرامج الخيرية في اعادة التوزيع والتضامن الاسلامي.
تقدم حماس كما هو الشأن بالنسبة لحركات أخرى في تركيا وفي الشرق الاوسط منظورا للمساواة و"إعادة التوزيع" والتضامن الإسلامي والذي يعمق أيضا التسلط ومعاداة الليبرالية. ففي سنوات الثمانينات دعمت اسرائيل حركة حماس كبديل لحركة فتح المكافحة والعلمانية، كما دعمت امريكا أسامة بن لادن والمجاهدين ضد الفدائيين الأكثر علمانية واشتراكية في افغانستان. وفي الحالتين معا، يخرج الشيطان من قمقمه
وإسرائيل الآن كما هو حال أمريكا، محاصرة بولاءات حماس (حراس السنّة) المتغيرة في مجال العمل الاجتماعي الاسلامي للعسكرية الاسلامية لحزب الله ، كما هو شأن العربية السعودية اتجاه ايديولوجيات السنّة في إيران.
لا شيء يعطي الأمل للتقدميين واليساريين في هذا التحالف. التزامنا بالمساواة والتضامن وتقرير مصير الشعوب سيظل مبدأ نقديا ولا يقبل التضحية عبر الانخراط الأعمى في هذه المجموعة أو أية مجموعة أخرى.
أمن إسرائيل في عالم ما بعد ويستفاليا
ما هو الغرض السياسي من لعبة إسرائيل؟ نجد اسرائيل قريبة من صراع من أجل أمن ويستفالي في عالم ما بعد ويستفالي، حيث أصبحت الحدود سهلة الاختراق، كما تفعل الميكروبات، الأخبار /المستجدات، السلع، الأموال، كل شيء -باستثناء أجساد البشر- يسافر بسرعة كبيرة وبكميات هائلة تزداد يوما عن يوم. حفرت الأنفاق بين مصر وقطاع غزة لتمرير الأسلحة المهربة المشتراة بأموال إيرانية. وضعت أموال البترول الهائلة في أيدي الدعاة المتجولين وأشباه الأولياء من طرف المشايخ وممالك الخليج الفاسدة التي تحمي سلالاتها الهشة...
كما وقعت انظمة أسلحة منتهية الصلاحية قادمة من روسيا ومن الجمهورية السوفياتية القديمة من قبيل كازخستان، أدريبدجان... في أيدي إخوانهم المسلمين. كما أن تجار الصين الكلبيين ورجال أعمال روس فرحون جدا بفتح تجارتهم في المنطقة.
وإسرائيل تتظاهر بالصدمة! الصدمة من كون الصواريخ القادرة على ضرب تل أبيب مخزونة الآن بقطاع غزة وبجنوب لبنان. الصدمة لكون مجموعات صغيرة من مقاتلي حماس اختبأت وسط السكان المدنيين البؤساء، وأطلقت صواريخ على أدوات محمولة. إلا أن هذا مجرد نفاق. سواء كان هذا استراتيجيا أو معنويا، فهو لا يفسر ولا يبرر الانتقام الواسع. وحتى صدام حسين قد أطلق صواريخ سكود على تل ابيب خلال حرب الخليج الأولى، وهرع الأطفال والراشدين معا للبحث عن أقنعة الغاز مختبئين في شققهم ينتظرون الصواريخ تقع. تعرف اسرائيل أن قوته العسكرية المفترضة تم اختراقها منذ زمن بأجيال جديدة من الأسلحة.  
لا يوجد أمن كامل ولا يقهر مطلقا في العالم الجديد، على الأقل منذ 11 شتنبر 2001 ، كما لم يكن هناك استقرار كامل في الميدان السياسي.
وحتى القنبلة النووية لا تضمن الأمن والاستقرار. ليس لأن ايران يمكنها أن تملك بدورها قنبلة نووية، وإنما لأن استخدامها ضد أهداف في لبنان أو سوريا وعلى قطاع غزة على الضفة الغربية والأردن باطلاق سحابة من الأشعة على كل المنطقة يمكن أن يلوث المياه والغطاء النباتي، وهو ما يجعل إسرائيل بدورها غير صالحة للاستيطان.
أربع رؤى سياسية:
تسود في اسرائيل اليوم خطابات سياسية تساير الوضع ولا تقدم أية رؤية سياسية جديدة:
منظور / رؤية الحرب الدائمة: رغم انه لا يدافع عنه أي سياسي يحترم نفسه، فالأمر يتعلق بنفسية داخل كل الاسرائيليين البسطاء. حيث يعتقد الغالبية العظمى أن الحرب نمط عيش، لأنه لا يمكن أن يتحقق السلام بين اسرائيل وفلسطين.
منظور الدولتين: الليبراليين والتقدميين من كل الأصناف يدافعون عن حل الدولتين (دولة اسرائيل ودولة فلسطين)، لأنهم يؤمنون بمبدأ المساواة في حق تقرير مصير الشعوب. ويقبل البعض هذا الحل لأنهم قلقون مما يمكن أن نسميه "الانفجار السكان الذي بدأ بالفعل"، وتسارع معدل الولادة بفلسطين، ويخشون العيش كأقلية في دولة فلسطينية كبيرة، ديمقراطية كانت أم غير ديمقراطية.
منظور إسرائيل الكبرى: هناك ايضا منظور اسرائيل الكبرى المبنية على المعتقد الديني، حيث يسود الاعتقاد أن الأراضي القديمة ليهودا هي في الواقع للشعب اليهودي بلا رجعة.
المنظور العلمانية لإسرائيل الكبرى: وهو منظور يختلف عن المنظور الثالث ويؤكد على أن اسرائيل الكبرى يمكن أن تضم أراضي فلسطينية وتحكمها اتفاقات اقتصادية من الطرفين بموجب مناطق التبادل الحر والنمو الاقتصادي. على الأقل منذ مبادرة السلام التي اطلقها اسحاق رابين واتفاقات كامب ديفيد، ويمثل حل "الدولتين" السياسة الرسمية للحكومة الاسرائيلية والامريكية. رغم أنه مجرد حل متناقض، يخفي في كثير من الأحيان دلالات في الوعي العام.
حل الدولتين مقبول على نطاق واسع، ليس لأنه يضمن حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وحسب، وإنما لأنه يعد بـ"فك الارتباط الديموغرافي". فجأة يقدم الديموغرافيون، السياسيون المزيفون، الذين يخفون تفكيرهم العنصري، حججا ترى أن استمرار اسرائيل في احتلال غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، سيضمن التحكم العسكري في 5 ملايين من الفلسطينيين العرب، بمن فيهم أولئك الذين يعيشون داخل حدود اسرائيل منذ 1967. ونظرا لارتفاع معدل الولادات في صفوف الفلسطينيين، ساد الشعور بأن الطبيعة اليهودية لاسرائيل مهددة إذا انسحبت من قطاع غزة خاصة إذا لم تسير حماس بعضا من أراضيها. في الواقع ثمة كوابيس من أن يصبح اليهود أقلية داخل دولة اسرائيل التي أسسوها بأنفسهم خوفا من ألا يصبحوا مواطنين من الدرجة الثانية، محتقرين، مستغلين، ومفترى عليهم، ويمكن قتلهم بالجملة، وفجأة عادت إلى الظهور في اللاشعور اليهودي أشباح مذبحة اليهود القوزاق في معسكرات الإبادة النازية، لذلك فأن يشكل اليهود أغلبية من سكان إسرائيل بموجب اتفاق كامب ديفيد "دولتين جنبا إلى جنب" يبعد عنهم هذا الكابوس.    
لذلك لم يقبل العديد من خبراء اسرائيل والعديد من المواطنين الإسرائيليين هذه الرؤية منذ 1967.
العملية العسكرية الحالية على غزة تحمل عناصر الخطابات السياسية الأربعة - الحرب الدائمة، حل الدولتين، اسرائيل دينية كبرى، إسرائيل علمانية كبرى – ولهذا السبب لم تكن متناسقة في أهدافها : هل تريد إسرائيل احتلال غزة من جديد وبناء مزارع بلاستيكية لتدميرها من جديد؟ هل تريد اسرائيل تدمير حماس ومؤسساتها المدنية والعسكرية بالمرة وتغادر غزة آملة حل الدولتين الذي لا يمكن احتمالا تحقيقه؟ هل تريد اسرائيل احتلال غزة وتعرض فيالقها العسكرية لمخاطر كبرى، وارتكاب جرائم حرب محتملة ضد الشعب الفلسطيني؟ شخصيا لست واثقة من أي شيء.
على شاكلة الصين والتبت؟
هل هناك بدائل سياسية حقيقية في ظل الوضع الحالي غير الاستراتيجيات العسكرية التي تتخذ كرؤى سياسية؟ هناك داخل إسرائيل حركة لفصل المواطنة الإسرائيلية عن الهوية اليهودية الدينية – الإثنية، يسمح بأن تصبح اسرائيل أرضا لكل المواطنين. وهذا من شأنه أن يتنصل جزئيا أو كليا من قانون حق العودة، الذي يعطي الحق في المواطنة الاسرائيلية لكل يهودي تعترف به السلطة الحاخامية كيفما كانت. وإلى عهد قريب لم يتم إصلاح قانون المواطنة الإسرائيلي والعديد من العمال المهاجرين وأبنائهم فضلا عن الشركاء غير اليهود وزوجاتهم لا يستطيعون الحصول على الجنسية الاسرائيلية
صار من سخرية القدر في العقد الأخير من السهل بالنسبة للروس الذين يدعون أنهم يهود الحصول على الجنسية، على عكس عربي – فلسطيني ولد ونشأ في القدس الشرقية، لأنه يعتبر (أو تعتبر) خطرا على الأمن، ولأن وضعية القدس الشرقية تعتبر لغزا وفق مصطلحات الاتفاقات الدولية.
ينبغي أن يتأسس كل نقاش سياسي جدي يتعلق بإسرائيل وفلسطين، على مبدأ أن القوة العسكرية ليس إلا ردعا، ردع مشكوك فيه يوما عن يوم على وجه اليقين، وأن ليس الأسلحة هي من يصنع السلام وإنما البشر. فالسلام هو الصالح العام. وإسرائيل قريبة من النموذج الويستفالي للسيادة المنقرض والذي يفترض أن الدول قادرة على مراقبة كل حي أو ميت داخل حدودها. ومعظم الديمقراطيات المتقدمة تعرف أنه نموذج متجاوز أخلاقيا وتجريبيا. فالسيادة هي مجرد حصة، مجموعة من امتيازات وصلاحيات موكولة للدولة ويمكن تقاسمها، وتفويضها، والتعاقد عليها مع مجموعات أخرى وسلط أخرى.
العديد من المسؤولين الإسرائيليين يعرفون بأنهم لن يسمحوا أبدا بسيادة كاملة للفلسطينيين على مجالهم الجوي، سواء في غزة أو في الضفة الغربية، ولا على التنقل الحر للبضائع في الموانئ أو خارجها، ولا على احتياطات المياه الجوفية الممتدة على جانبي الحدود. فلماذا إذن ندعي أن الدولة الفلسطينية سيادية وستصبح سيادية بالمعنى الذي تحب اسرائيل أن تراها سيادية؟ الحقيقة البسيطة والمحزنة هي أن دولة فلسطينية من هذا النوع ستظل على الدوام مراقبة ومتحكم فيها وستضرب بين الفينة والأخرى من طرف اسرائيل. إنه واقع الحال تحديدا، لأن العديد من أنصار حل الدولتين يعرفون بأن العلاقات المستقبلية مع الدولة الفلسطينية ستكون شبيهة ليس بالعلاقات القائمة بين ايطاليا والنمسا، ولكنها أكثر شبها بعلاقات الصين مع التبيت وبعلاقات الهند مع كاشمير.
لنتخيل كونفدرالية:
لنحلم للحظة، لنفترض أن هناك بين اسرائيل وفلسطين كونفدرالية. لنفترض أن تحييد جماعات من مثل حماس وحزب الله التي لا تعترف بوجود إسرائيل، هو هدف مشترك للفلسطينيين وللدول العربية الأخرى، ولكن لو أن حماس اعترفت بحق وجود اسرائيل، سيكون لها مقعد على الطاولة، لنفترض أن هناك رقابة مشتركة على الأجواء، وعلى الطرقات البحرية والمياه والتي تمارسها سلطات اسرائيل وفلسطين، لنفترض أن هناك عملة مشتركة وحقوق الاستقرار القانونية لكل مجموعة إثنية داخل مناطق من الأراضي المشتركة.
فإسرائيل لن تلجأ إلى حرب مدنية ضد المستوطنين المتعصبين في الخليل وفي الضفة الغربية والذين سيجبرون على العيش تحت سلطة فلسطينية بلدية جهوية أو الدخول إلى اسرائيل
لا تعني الكونفدرالية اختفاء السلطة الوطنية المشتركة وهوية كل شعب. وفي بعض نسخ الحدود قبل سنة 1967 (الخط الأخضر)، ظلت اسرائيل دولة يهودية، ولغتها الخاصة، وعطلها، وانتخاباتها، ولكنها تقتسم السلطة مع الدولة الفلسطينية في مجالات الجيش والأمن والاستخبارات والمال والتبادلات. وبالمثل للفلسطينيين لغتهم الخاصة وعطلهم وانتخاباتهم، إلا أن الشعبين معا طورا مناهج مدرسية مشتركة وتحديدا حول تدريس التاريخ الذي ينصف الحقائق التاريخية ومعاناة الشعبين.
سيتعلم أطفال الجيل الجديد التفاهم والتعاطف بدل الكراهية والحقد لبعضهم البعض. كما سيكون هناك تكافؤ في الحقوق الاجتماعية والاقتصادية في هذه الكونفدرالية، في حالة ما إذا لم يرغب البعض في الاستقرار في بعض المناطق الاسرائيلية الغنية؛ التعددية الدينية والحقوق المدنية الليبرالية ستحترم من طرف الجميع: اليهود، المسلمين، المسيحيين، وكل مواطني المعتقدات الأخرى. وبالنسبة للمتدينين الذين يريدون إدارة شؤونهم الدينية الخاصة ستمنح لهم السلطات الدينية رخصا بذلك، كما أن هناك محاكم خاصة، ولكن أيضا هناك إعلان للحقوق لكل القاطنين يضمن لهم المساواة في الحقوق المدنية والسياسية.
وإذا سمح لي بمتابعة حلمي، أتخيل أن هذه الكونفدرالية يمكنها أن تكون نواة ومركز اتحاد في الشرق الأوسط وشعوبها، حيث تركيا ومصر والعربية السعودية والعديد من الدول الأخرى يمكنها الانضمام اليه على غرار نموذج الاتحاد الأوروبي.
الجمعة 10 أبريل 2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق