السبت، 4 فبراير 2017

تركيا، الإسلام، ساركوزي وأوروبا

بقلم سيلا بنحبيب حاورها دانييل كاستيلاني بيريللي Daniele Castellani Perelli .
توطئة:
تتميز تحليلات الفيلسوف سيلا بنحبيب بمواقفها النقدية الجريئة من القضايا المعاصرة التي تهم ملايين الشعوب، وباعتبارها من أصول تركية فلم تتوانى عن تحليل الوضع العام بتركيا محاولة تقديم عناصر حلول لمجمل المشاكل التي تهم الشعب التركي. فرغم عيشها في أمريكا كواحدة من أبرز فلاسفة العصر فإن تركيا بلدها الأصل تظل حاضرة في قلبها دوما. هكذا قدمت رأيها كاشتراكية ديمقراطية تؤمن بامكانية التغيير والاصلاح في بلدها عكس ما تروج له بعض الأقلام النسوية المسخرة في خدمة السياسة الخارجية الأمريكية. ولا ينبغي أن يفاجئنا موقفها من حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، حيث أكدت أن تجربة هذا الحزب جديدة ويمكنه أن يقدم نموذجا جديدا مستفيدا من التركيبة التعددية للمجتمع التركي. ورغم ذلك تتوجس بالحذر الكبير اتجاه هذا الحزب، الذي ينبغي في نظرها مراقبته عن قرب وتقدير المسافات بعدا عنه، فهي لا تؤمن أن الحزب الحاكم قادر على إرساء نظام أثوقراطي في تركيا، لأن ذلك غير ممكن، ولكنها لا تستبعد أن قاعدة هذا الحزب تؤمن بإمكانية قيام الدولة الدينية. وتحاج على ذلك بكون الاشتراكيين الديمقراطيين لا يمكنهم بحكم تاريخهم مع القمع والاضطهاد الذي مارسه الجيش في حقهم، لا يمكن أن يقبلوا عودة الجيش والمؤسسة العسكرية الى معترك السياسة.

ننشر هنا مقابلة مع الجامعية سيلا بن حبيب 7 شتنبر 2007: لا يلعب الدين في تركيا أي دور هام جدا كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية. بمناسبة انضمام عبد الله كول الى رئاسة تركيا .
نص الحوار:
حاورها دانييل كاستيلاني بيريللي Daniele Castellani Perelli .
دانييل، ك، ب: كانت تركيا في الأشهر الأخيرة مسرحا لاحتجاجات قوية ضد ترشح وزير الشؤون الخارجية ذو الأصول الإسلامية عبد الله كول للانتخابات الرئاسية. هل ترين أن المخاوف التي حركت هذه الاحتجاجات مبررة؟
س ب: لا أعتقد أن عبد الله كول قادر على تغيير شكل الدولة التركية، ولا على التخلي عن علمانية الدولة. قلق الناس جراء ارتداء زوجته للحجاب الاسلامي، مما يؤشر على الأقل على تحول رمزي، على جسر عبور من العلمانية (النسخة التركية للفصل الصارم بين الدين والدولة) نحو شكل من قانون إسلامي. لا أعتقد شخصيا، أن عبد الله كول ليس شيئا آخر غير شخص معتدل، كما لا أعتقد أن حزب العدالة والتنمية AKP قادر على تحويل تركيا نحو بلد إسلامي.
ومن المرجح أن بعض أعضاء هذا الحزب يزرعون هذا النوع من الوهم والأهداف. ولكن هذه المخاوف اتجاه كول غير مبررة. ومنذ سنوات عديدة تكثف الصراع بين علمانيي الحزب الديمقراطي الشعبي CHP وإسلامويي حزب العدالة والتنمية. إنها توترات خيمت على قضية انتخابات رئيس الجمهورية، القمة الرمزية للدولة. ومن نواح عديدة، أجد أنه من الإيجابي مجابهة هذه القضية علنا: إلى حد يمكن للمشروع الإسلامي أن يذهب بعيدا في تركيا؟
د، ك، ب:هل تركيا اليوم متدينة أكثر من سنوات الستينيات لما كنت صغيرة؟
س، ب:لا أعتقد ذلك. ما حصل في الواقع هو أن التدين بان أكثر في الفضاء العمومي ويعبر عنه بشكل منفتح. النموذج الذي كبرت فيه – بحسب النموذج الذي وضعه اتاتورك – يعتبر الدين شأنا خاصا، أي أن الدين مقصي من النظام التعليمي ومن الفضاء العمومي، ومن السياسة أولا وبطبيعة الحال. لقد تغيرت هذه الوضعية بشكل جذري، وخاصة مع بداية الثمانينات، حيث بدأت الأمور تتغير شيئا فشيئا. ومما لا شك فيه أن هناك انتعاشة عالمية للتعبدات الإسلامية. ولا أعتقد شخصيا أن حضور الاسلام في الفضاء العام يتعلق بالضرورة بزيادة التدين في صفوف الساكنة. إن ما تغير هو مستوى الرؤية.
د، ك، ب: ألا تشكل سرعة وعنف سياسات أتاتورك اتجاه الدين سببا غير بعيد في عودة الإسلام إلى الفضاء العمومي؟
س، ب: جيد، تحدث هربرت ماركيوز عن "عودة المكبوت". ليس بعيدا تفسير عودة الاسلام في تركيا بعودة المكبوت. ولكن لا أظن أن هذا ينطبق على الموضوع، لأن ما نشاهده هو ظاهرة عالمية حولت الإسلام. فالإسلام الذي واجهه أتاتورك هو إسلام الخلافة. فالسلطان في إمارة عثمان، كان خليفة لجماعة مسلمة سنية (فيما يشبه البابا عند الكاثوليكيين). ومع انهيار الإمبراطورية العثمانية، فقد السلاطين هذه الوظيفة وهذه الصفة، والتي تحولت فيما أعتقد في مصر مع "شيخ الإسلام"، الزعيم الديني الرئيسي للمسلمين السنيين
يمثل هذا النوع من الإسلام خليطا من المذاهب الدينية والتسيير السياسي. تقرب اتاتورك من المؤسسات التعليمية غير العلمانية. بحيث كانت كل تلك المؤسسات – أو على الأقل معظمها - في ظل النظام الامبراطوري في قبضة التنظيمات الدينية، كما كانت هناك "خلايا" تنظيمات سرية داخل أجهزة الدولة.  
ويجب التمييز بين هذا النوع من دين الدولة وبين الدين التقليدي لعامة الناس. فالفلاحون على سبيل المثال لهم أشكالهم الخاصة في التدين. وما كان يواجه اتاتورك هو هذا الزواج بين الدين والامبراطورية. أما ما يحدث اليوم هو عودة / يقضة الإسلام عالميا والتي ساهمت فيها آثار العولمة وأزمة الدولة – الأمة.
د، ك، ب: هل يمكننا أيضا الحديث عن عودة الدين في العالم الغربي؟ اهتجس المعلقين الغربيين بنوع التدين المؤثر في السياسة التركية: ولكن هل يلعب الدين حقا دورا هاما جدا في تركيا بالمقارنة مع ايطاليا والولايات المتحدة الأمريكية؟
لا أعتقد ذلك. فإذا ذهبنا إلى عمق الأشياء، فالسياسة الأمريكية تعمق التدين الرمزي أكثر من أي بلد آخر في العالم. فلنأخذ الاجهاض كمثال هام جدا. فليس هناك أي نقاش في تركيا حول الاجهاض l’IVG، يرجع هذا الأمر ببساطة إلى الموقف اللاهوتي المختلف تماما. فالاسلام كما هو الحال بالنسبة لليهودية، على عكس الكاثوليكية، لا يعتبر الجنين شخصا. ولا أعرف الشيء الكثير عن الأديان الأخرى ولكن الاسلام واليهودية فقضية الاجهاض تأتي في المقام الأخير بعد الحفاظ على صحة الأم، وهو السبب في غياب أي نقاش حول هذا الموضوع في تركيا.
وما يثير النقاش أكثر هو مسالة صورة المرأة في الفضاء العمومي، حيث الجدل هو حجاب المرأة، الذي يعتبر موضوعا هاما. كما أن هناك نقاش حول تكوين رجال الدين ومسؤولية هذا التكوين. ففي تركيا، يوجد وزير للشؤون الدينية الذي يعتبر مسؤولا عن المدارس التي تكون رجال الدين المسلمين. وهكذا يمكننا القول بمعنى آخر أن الدين لا ينفصل عن الدولة إذا كانت تركيا تتبع النموذج العلماني الفرنسي. أو على الأقل يمكن القول أن الدين الإسلامي لا ينفصل عن الدولة.
للأقليات الدينية – اليهود والنصارى – مؤسساتهم التعليمية الخاصة، أما المسلمون والذين يمثلون الأغلبية فلديهم النظام التعليمي الرسمي. في أمريكا أو في أوربا تجد قضايا الإجهاض والأبحاث حول الخلايا الجذعية مكانها في الفضاء العمومي. وفي فرنسا بطبيعة الحال، نجد جدلا دائرا حول الحجاب الاسلامي.      
إذا كان موضوع ارتداء الحجاب في بعض الأماكن العامة قد أثار النقاش في تركيا، فهناك قضايا أخرى لا تثير المشاكل قدر ما يثيرها التدين. وضمن هذا المعنى، فمن الصعوبة لكاثوليكي أو بروتستانتي أن يفهم أن الإسلام لا يقدم دوما حلولا أخلاقية أو سياسية محددة لمواجهة هذه القضايا أو تلك المثيرة للجدل.
لا يوجد نقاش إسلامي بخصوص الأبحاث حول الخلايا الجذعية.
د، ك، ب: وفقا لكم، هل يمثل الصراع بين الحزبين الكبيرين في تركيا صراعا ثقافيا بين العلمانيين والمتدينين، أم أنه مجرد صراع حول السلطة بين نخب سياسية هرمة ونخب ناشئة جديدة؟
هما معا. فحزب الشعب الجمهوري (CHP) هو الحزب القديم لكمال اتاتورك ويمثل مصالح الجيش، والموظفين العموميين، وموظفي القضاء والمدرسين، أي مجموع القوى العلمانية التي بنت الجمهورية التركية. ويمثل أسلوبهم السياسي نوعا من اليعقوبية. ليس لأنهم ثوريين، وإنما لأنهم يؤمنون أن الدولة هي كل شيء، أن الجمهورية هي كل شيء، وأن الفرد لا يعني شيئا. ويشعرون اليوم أنهم مهددون جدا، وبانهم سيصرون مهمشين. في أواخر الخمسينات، بدأت الهوة الأولى بين ممثلي حزب الشعب الجمهوري بظهور فئات متوسطة صناعية ومالية انتهت بولادة الحزب الديمقراطي. لذلك تنافست هذه النخبة البيروقراطية العسكرية والمدنية مع البرجوازية الأصلية – طبقة رأسمالية – والتي ولجت بعض السلط خلال الازدهار الاقتصادي بعد الحرب، دون الاعتماد على الدولة.
لقد كان هذا التوجه السائد في سنوات الستينات. أما اليوم فنحن نشاهد ظهور طبقة متوسطة جديدة أصلية من أصول شعبية في الأناضول. ولكن من هم هؤلاء الأشخاص؟ مالكي محلات السيارات على سبيل المثال، او مديرو الأسواق الممتازة، مالكي الفنادق ومستثمرون في السياحة... إنها الطبقة البرجوازية الصغيرة التي تشكل قاعدة حزب العدالة والتنمية (AKP). لا يتعلق الأمر ببرجوازية صناعية أو مالية، وإنما بفئة تجارية (ميركانتيلية) تحمل قيم طبقة متوسطة معادية لليسار، ومناهضة جدا للشيوعية، أشخاص يؤمنون بالملكية الخاصة والتي تملك بقعة أرضية ومنزلا وسيارة. كانت هذه البرجوازية الجديدة الأناضولية إلى حدود الآن مبعدة تماما من السياسة التركية وتميل إلى تفويض تمثيليتها للنخب أي إلى البرجوازية الكبيرة الصناعية باسطنبول أو إلى الجيش. إلا أنها اليوم صارت تمتلك صوتا سياسيا. فمع التطور العام لتركيا رفضت أن تكون مجرد ديكور خلفي وشرعت في الاندماج الاقتصادي. إنها أساس وقاعدة حزب العدالة والتنمية.
أعلنت المناضلة النسوية الهولندية أيان هيريس علي Ayaan Hirsi Ali (صومالية الأصل ومهاجرة اليوم بأمريكا) والمناهضة للإسلامويين في تعليق حول الأزمة التركية نشرته بجريدة لوس انجلس تايمز Los Angeles Times: " يستغل أنصار الاسلام السياسي من مثل الوزير الاول رجب طيب اردوغان  Recep Tayyip Erdogan ووزير الشؤون الخارجية عبد الله كول وحزبه (حزب العدالة والتنمية)، يستغلون الوسائل الديمقراطية لتقويضها. فبعد فشلهم في ثورتهم الإسلامية 1997 حيث قام الجيش ب "انقلاب قانوني" putsch légal ضد الاسلاميين المترشحين، فهم أردوغان وحزبه بأن نزعة إصلاحية متطورة يمكن أن تخدم أهدافهم على المدى الطويل. لقد كانوا بالتأكيد على وعي بأن أسلمة كاملة لتركيا ستتم من خلال السيطرة على الجيش وعلى المحكمة الدستورية.  
د، ك، ب: يعرف الإسلاميون كيفية التلاعب manipuler ببعض القادة الأوروبيين ذو النية الحسنة، ولكن من السذاجة الاعتقاد أن الجيش التركي سيخضع للرقابة المدنية، كما هو الحال بالنسبة للجيوش الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. إلا أن الجيش والمحكمة الدستورية يمكن أن تحمي الديمقراطية بتركيا". ماذا تقولين حول هذا الكلام؟
(تضحك سيلا بنحبيب): هذا ليس سؤالا صعبا للغاية. فأيان هيريس علي Ayaan Hirsi Ali تعرف كيف تلعب دورا عموميا مبنيا على النظر إلى الإسلام باعتباره شكلا فاشيا أو أوثوقراطيا.
في الحالة التركية لا تعرف أيان هيريس ببساطة عماذا تتحدث، ولا يمكن أخذ أية ديمقراطية على محمل الجد. ففي المقام الأول، لا يوجد أي خطر في تركيا لصعود الاوثوقراطية الإسلامية. وأستطيع أن أؤكد لكم أنه ستكون هناك حرب أهلية قبل صعود الاوثوقراطية. وفي جميع الحالات، لا أظن أن حزب العدالة والتنمية يأمل في إرساء الدولة الدينية. وهم الآن في الطريق نحو تعزيز تجربة جديدة غير مسبوقة، ومما لا شك فيه أنه لم يترقب أي اشتراكي ديمقراطي مثلي دعم ومراقبة بحذر كبير تجربة حزب مثل حزب العدالة والتنمية. إلا أننا مدعوون إلى مراقبتها بحذر كبير، لأن حزب العدالة والتنمية يمثل شكلا من تعددية المجتمع المدني الذي تحتاج إليه تركيا. وبالتالي، لست خائفة من الثيولوجية الاسلامية. ولا أعتقد أن لا الشعب التركي ولا حزب العدالة والتنمية يأملان إقامة الثيولوجيا الإسلامية. كما لا أنكر أن أعضاءا من هذا الحزب يحلمون بدولة من هذا النوع، ولكنني لا أظن أن تحقيقها ممكن. منذ خمسون سنة والجيش في تركيا فاعل سياسي. وأن أي شخص اشتراكي ديمقراطي لا يرغب في عودة الجيش إلى الحكم، إلا أذا أنكرنا أو نسينا القمع الذي قام به الجيش التركي. فالجيش في تركيا مسؤول عن انقلابين: انقلاب 1971، وانقلاب 1980. وقد قمع اليسار واضطهده ومهد الطريق لليمين. كما حاول القضاء على الحركة النقابية.
خطاب أيان علي هو خطاب صدامي يستند على النظر إلى الإسلام باعتباره في مجموعه ارثودوكسي متجانسة ترفض إمكانية إنجاز أي إصلاح أو تغيير. خطاب يروج من الخارج لرؤية ديمقراطية ليبرالية مثالية لا تقبل النقد، وكأنها ليس لديها مشاكلها الخاصة .
قررت أيان علي العمل لصالح معهد الشركة الأمريكية، موالية لواشنطون، وتتدخل سياسيا بواسطتها. وأنا أحترم معاناتها كفرد وكإمرأة، ولكن من المؤسف أنها اختارت هذا الطريق للتدخل في هذه القضايا التي تهنا جيدا نحن. وأتمنى أن تغيير أرائها بعد سنوات من العيش في أمريكا.    
د، ك، ب: بحسب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، ليس هناك من مكان لتركيا في الاتحاد الاوروبي. ما رأيك؟
حسنا، آمل أن يمتثل ساركوزي ويحترم معايير كوبنهاغن. فالعلاقات بين تركيا والاتحاد الاوروبي ليست جديدة، بل تعود إلى 1957 – 1958 خلال التوقيع على اتفاقيات أنقرة. يحاول ساركوزي تقديم بعض الحجج ثقافية أرفضها بموجب الالتزامات المؤسسية لكلا الطرفين. نشرت تقارير حول تطور تركيا من خلال احترامها لمعايير كوبنهاغن. فهناك مفاوضات. وقد قصرت تركيا في تسعة معايير، وآملي الكبير هو أن يتم معالجة المسألة التركية داخل الاتحاد الاوروبي على أساس معايير وتحليلا مؤسساتية، وليس على أساس تعميمات "ثقافية" مبهمة. إلا أن هذا ليس كل شيء. فالعلاقات بين تركيا وفرنسا هامة جدا ولا سيما فيما يتعلق بقضية الهجرة، التي شكلت المحور الحقيقي لخطاب ساركوزي. وإذا تذكرت جيدا فهناك ما بين 700000 و 800000 عامل مهاجر تركي في فرنسا. ولكنهم أكثر عددا في ألمانيا وهولندا.
يوظف ساركوزي تركيا كاستعارة للتعبير عن مشاكله الحقيقية مع المهاجرين المسلمين بفرنسا – الجزائريين والتونسيين والمغاربة – لتبرير خطابه حول العلاقات بين اوروبا والاسلام.
د، ك، ب: هل تريدين القول أنه لم يكن يتحدث في الواقع عن العلاقات بين تركيا والاتحاد الاوروبي وإنما عن العلاقة بين فرنسا والمهاجرين العرب؟
إطلاقا. ليس هذا غير ما نسميه في التحليل النفسي ميكانيزم التحويل. ما هي الإنتقادات الموجهة تحديدا لتركيا؟
هناك على نطاق واسع ما يمكن انتقاده، مثل اغتيال الصحفي الأرميني هرانت دينك Hrant Dink واضطهاد الروائي اورهان باموك Orhan Pamuk وواقع أن هناك اختراق للقضاء التركي من طرف عناصر من اليمين المتطرف الذين يوجهون القانون وفق تصورهم الخاص للدولة.
إذن هناك الكثير مما يمكن انتقاده في تركيا. ولكن ليس هذا ما يمكن انتقاد عيف تركيا، رغم أن هذه المشاكل تتوافق ومعايير كوبنهاغن. لأنه لو أرادت تركيا حقا الدخول الى الاتحاد الاوروبي، فعليها أن تقوم بعمل جاد في اصلاح القضاء. فلنأخذ المادة 301 من القانون الجنائي مثلا، والذي يعتبر أن إهانة تركيا، أو الهوية الوطنية التركية جريمة. فهذه المادة يجب أن تختفي. ... ساركوزي لا يفعل شيئا، وكل ما يحاول فعله هو زرع الخوف. وبطريقته الخاصة فهو محرض.
د، ك، ب: هل يمكن أن تكون تركيا نموذجا لدول مسلمة أخرى معتدلة كالمغرب والأردن ومصر؟ وإذا انضمت تركيا إذا الى الاتحاد الاوروبي، فلماذا لا ينضم المغرب بعد غذ؟
في الواقع، إنهما سؤالين مختلفين. فلنبدأ بالسؤال الثاني الذي يخص حدود أوروبا. إنه سؤال جوهري: هل هي حدود جغرافية، حضارية، أم تاريخية؟ إذا تم تحديدها على أساس التفاعلات التاريخية، فإنه من الواضح أن كل بلدان البحر المتوسط لها علاقات عميقة مع شمال افريقيا
يبدو لي بديهيا أن المشروع الاوروبي من وجهة نظر طوباوية – وجهة نظر تروق لي كمفكرة سياسية وأحيانا كفيلسوفة سياسية – يمكن أن ينظر إليه كنموذج فيدرالي كوسموبوليتي / كوني، كبنية حكم فيدرالية ناشئة. ومن وجهة النظر هاته، يمكن النظر الى الاتحاد الاوروبي كنواة يمكن أن تتبعه دول أخرى أو تقلده. يتعلق الأمر بما في الكلمة من معنى، بمشروع طوباوي، ذي طموح مثالي...  وسيكون موضوع تفكيرنا. ولكن على المستوى المؤسساتي والإداري، فان لامتداد الاتحاد الاوروبي حدود مرتبطة بسلسلة من المعايير. وأنا مقتنعة من وجهة نظر تاريخية واقتصادية وبنيوية أن تركيا استجابت لهذه المعايير الاوروبية  ces critères d’« européanité منذ زمن طويل وبشكل جوري اكثر من المغرب على سبيل المثال.
ولهذا السبب اقترحت انجيلا ميركل نموذج "علاقة خاصة؛ مع تركيا، لأن الجميع يدرك ان علاقتها مع الاتحاد الاوروبي تختلف عن علاقاتها مع دول أخرى خارج الاتحاد الاوروبي. وأقترح أن يكون النقاش حول هذه المسألة مبنيا على معايير كوبنهاغن وسنذهب بعيدا على هذا الطريق. السؤال الآخر المتعلق بهل يمكن أن تقدم تركيا نموذجا.
كانت تركيا فيما مضى، بعد إعلان الجمهورية سنة 1923، نموذجا يحتذى به في بلدان مثل تونس. فالحبيب بورقيبة كان بمثابة كمال اتاتورك، كما يجب ملاحظة أن تركيا كانت نموذجا لايران، إلى حدود لحظة انقلاب الاستخبارات المركزية الامريكية على الوطني مصدق، وكذلك الامر بالنسبة لمصر. ويبدو لي أن ما يحدث اليوم هو أن النموذج العلماني للتنمية الذي أرسته نخب الدولة مثل جمال عبد الناصر بمصر واتاتورك بتركيا استنفذ دوره. فهو نموذج لم يعد صالحا. وكان مرتبطا بطبيعة الحال بانهيار اشتراكية الدولة في العالم العربي، انهيار الناصرية على سبيل المثال.  
يفرض تفسير هذا الفشل بدون شك تنمية طويلة، إلا أن صعود الاسلام في العالم العربي بمكنه بدون شك تفسير الاحباط المتولد كما يجب أيضا أن نتذكر الهزيمة العسكرية ل 1967 والتي ساهمت الى حد كبير في فشل ذلك النموذج التنموي. إنه مشكل التنمية الاقتصادية والاجتماعية.                فحالة الاردن وحدها دون شك مختلفة. وفيما يتعلق بمصر، أرى أن بعض العراقيل وعدم قدرة على التقدم. تركيا هامة جدا لأن لديها اقتصاد دينامي وبلد شاب جدا. وإذا أرادت أن تبني نموذجا، فأنا على يقين أنها ستكون كذلك على مستوى التنمية الاقتصادية. ففي الحقيقة فإن اقتصاد تركيا اليوم متقدم جدا بالمقارنة مع اقتصاد مصر. وكل هذه الجوانب يجب أخذها بعين الاعتبار، وأنا متأكدة من أن عددا من البلدان يتابعون تركيا عن قرب.وكذلك الأمر بالنسبة لسوريا، فلتركيا حدود واسعة جدا مع سوريا، وهذه مسألة نادرا ما نتحدث عنها. ولن يفاجئني كثيرا تقوية العلاقات مع سوريا مستقبلا، وقد أعلن الأسد عن بذل مجهودات تغيير وانفتاح. وهذا يبدو لي معقولا جدا
Seyla Benhabib : La Turquie, l’islam, Sarkozy et l’Europe, Publié sur le site de Mouvements le 7 septembre 2007.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق