السبت، 4 فبراير 2017

صورة الآخر في الوعي العربي الحديث .. "تخليص الإبريز في تلخيص باريس" للطهطاوي نموذجا / العلوي رشيد


تشكل الفكر العربي الحديث بمقتضى ثنائيات عدة ومفاهيم عميقة الدلالة ومتنوعة المعنى وشديدة الحمولة، تتأرجح بين الفلسفة والتاريخ والسياسة... ثنائيات أضفى عليها كل خطاب من خطابات هذا الفكر لبوسات إيديولوجية تتلون بها في كل وقت وحين، فمن خطاب الإصلاح والنهضة إلى خطاب الحداثة مرورا بخطاب الثورة، احتلت ثنائية الأنا والآخر (الشرق والغرب، الداخل والخارج، البراني والجواني...) مكانة هامة تجسد القلق المعرفي والوجداني الذي أصاب النخبة العربية الحديثة والمعاصرة. وهي أكثر العبارات تداولا في الخطاب العربي الحديث والمعاصر، وإن نابت عنها عبارات أخرى مثل: الأصالة والمعاصرة، النحن والآخر، الداخل والخارج... فهي تجسد الوعي بعمق العلاقة بين هذا الجزء من العالم الذي ينتمي إليه العربي "المسلم" والذي يصطلح عليه عادة بالشرق، وذاك الجزء الآخر من العالم الذي ينتمي إليه الأوروبي "المسيحي" والذي يصطلح عليه عادة بالغرب. فكل واحد منهما يهدف إلى فهم الآخر بالقدر الذي يهدف إلى فهم ذاته، ويسعى إلى اكتشاف الذات من خلال الآخر، فقد اكشف الغرب حضارة الشرق، بقدر ما اكتشف الشرق حضارة الغرب، إلا أن هذا الاكتشاف صيغ بأشكال متعددة ومتنوعة ومتباينة، اكتشاف يختلف باختلاف الزمان والمكان معا، وباختلاف الشروط الثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تؤطر علاقة كل واحد منهما بالآخر.

وبهذا يصح القول أن صورة الغرب في الوعي الشرقي إبان العصور الوسطى يختلف جذريا عن صورته في العصر الحديث والمعاصر، وبالمثل اختلفت صورة الشرق في الوعي الغربي من حقبة إلى أخرى، على الرغم من أن الوعي بالآخر ظل في جوهره محتفظا بثوابت ومرتكزات وبصورة نمطية نجدها في أغلب الكتابات التي تناولت علاقة الأنا بالآخر.
ودون الخوض في بعض التفاصيل التاريخية حول علاقة الشرق بالغرب، فإننا نرى ضرورة حصر مجال بحثنا في تحديد هذه العلاقة في الحقبة الحديثة وتحديدا لدى واحد من أهم رجالات النهضة العربية.
ووعيا منا بأن إشكالية الأنا والآخر لازالت تخترق الوعي العربي المعاصر، ويتجسد ذلك في كتابات نخبتنا باختلاف مشاربها الإيديولوجية. فالفكر العربي المعاصر يعج بمساهمات متفاوتة المقالات بتفاوت المنطلقات المعرفية والمنهجية، كما يعج الفكر الغربي المعاصر أيضا بمساهمات متفاوتة أيضا، فالأوضاع العالمية اليوم تفرض العودة إلى هذه المسألة وذلك بالنظر إلى السجال حول صورة الآخر، كنوع من المبارزة لإثبات الذات. إلا أن هذا الحديث المتراكم حول صورة الآخر في الوعي المعاصر، تستدعي منا رصد المتخيل العربي في لحظات تشكله خلال القرن التاسع عشر، وهو متخيل نسبي متغير يغذيه شكلان من التمثل:
- التمثل العامي الذي يسود لدى العامة (الجمهور)؛
- التمثل العالم الذي يسود لدى الخاصة (النخبة المثقفة).
إن الإحاطة بالتمثل représentation الشائع حول الآخر لدى العامة يكاد يكون مستحيلا، في حين أن التصور  العالم هو ما يهمنا هنا لعدة أسباب منها:
- أنه  تصور ومعارف مؤدلجة يدعي أصحابها نوعا من الحقيقة، ويضفون عليه طابعا نمطيا تقتضيه دواعي البحث والخلفيات الإيديولوجية التي تحكم كل تصور؛
- أنه تصور مكتوب يلعب دوره في تنمية التمثلات الشائعة وتغذية المتخيل العامي، وتبنى عليه استراتيجيات سياسية كبرى لها دورها الملموس في تاريخ البشرية ؛
- أنه نمط من التفكير يتأسس أو يدعي أنه يتأسس على مناهج علمية متنوعة: تاريخية، أنثروبولوجية، سوسيولوجية، فينومينولوجية، فلسفية...
اهتم الفكر العربي الحديث بالآخر في سياق تاريخي خاص، ذلك أن حملة نابليون بونابرت Napoléon Bonaparte على مصر في نهاية القرن الثامن عشر (1798)، وما تولد عنها من صدمة "هزت الشرق هزا"، شكلت منعطفا في الوعي العربي الحديث، فالسؤال: لماذا تقدم الغرب وتأخرنا نحن؟ يعبر عن كسب الغرب (أوروبا تحديدا) لرهان أول، إنه سؤال يعبر عن حقيقة أولية: "تقدم الغرب وتأخر الشرق". فالصورة التي سعت أوروبا إلى ترسيخها في الأذهان تتمثل في أنها لم تعد كما كانت عليه خلال غزو الفتوحات الإسلامية لبعض تخوم المسيحية، بل أصبحت في وضع قوة لا تقهر، وأنها تملكت ما يكفي من القوة العسكرية والاقتصادية والسياسية لتجعل الشرق خاضعا لها، بل لجعله يسير وفق ما تراه كفيلا بانعتاقه من "الوحشية" و"البربرية" التي يتخبط فيها، نحو "مدنية" افتقدها ولم يعد بإمكانه تأسيسها من جديد دون الثورات التي استنهضت همم أوروبا (العلمية، الاقتصادية، التكنولوجية، السياسية...).
إن ما يبدو لأوروبا على أنه حقيقة أولية، لم يكن العرب يبخسونه، بل عززت في متخيلهم إمكانية معالجة هذا "التأخر التاريخي" الذي أصابهم. فهول الصدمة التي أصابت العرب ناتجة عن نمطين من إدراك الآخر:
- إدراكه في ديار غير دياره، فتواجد الأوروبي المستعمر في الشرق المستعمر، شكل اللقاء الأول؛
- إدراكه في دياره كما هو، حيث تواجد الشرقي في الغرب، والذي شكل اللقاء الثاني.
إن هذين النمطين من الإدراك، غير منفصلين، فالواحد منهما يكمل الآخر، لأن استعمار أوروبا للشرق لم يقع في لحظة تاريخية واحدة. وتواجده يختلف من بلد إلى آخر، كما أن تواجد الشرقي في الغرب لم يكن أيضا واحدا، فالبعثات والرحلات الفردية والدبلوماسية امتدت على طول الغرب رغم اختلاف دواعيها. واختلاف هذين النمطين من الإدراك إنما يعبر حق التعبير عن عمق الإشكالية: فهل كان الغرب واحدا والشرق واحدا؟
يختلف حصر كل من الشرق والغرب باختلاف المنظورات، فهما  في المقام الأول مفهومان جغرافيان يحيلان على اتجاهين متباعدين، لذلك فهذه الدلالة الجغرافية لا تخدم غرضنا هنا، كما لا تخدم دلالة أي باحث لعلاقة الشرق بالغرب، لذا يتوجب القول أن الغرب والشرق المقصودين هنا يتعلقان بالمدلول الثقافي، وهذا ما يفرض علينا الحديث عن الأنا والآخر.
لم يكن الشرق واحدا أبدا كما لم يكن الغرب واحدا أبدا، وحتى التصنيف التاريخي والسياسي والاقتصادي للشرق والغرب، يخضع للتغير من جهة كونه تصنيفا غير بعيد عن مصالح الأمم. ونكاد اليوم نجد أنفسنا أمام شرق لم يعد هو شرق القرن 18 و 19، حيث يتم الحديث عن شرق جديد لا هو بشرق ولا بغرب، ويتعلق الأمر بالصين التي عاشت حداثة من نوع آخر، حداثة جديدة ونوعية، عن حداثة أوروبا .
كما أن الغرب اليوم ليس هو غرب القرن 18 و 19، فالتفاوت بين تطبيقات الرأسمالية الجديدة موجودة في الغرب، والمواقف الصادرة عن الغرب اتجاه الشرق مختلفة باختلاف السياق.
فالشرق الذي عالجه الفكر العربي الحديث ليس هو الشرق الذي ندرسه اليوم، لأن الوضع العالمي اليوم يفرض علينا إعادة النظر في المفاهيم، حتى بالمعنى الثقافي وليس بالمعنى الجغرافي وفقط، فمشروع الشرق الأوسط الكبير يجعلنا من منظور أمريكي أمام تحديد سياسي للشرق الأوسط، لا صلة له لا بالجغرافيا ولا بالتاريخ، بل إنه يتجه نحو محو تصورات تقليدية حول الشرق. فشرق ابن سينا ليس هو شرق أوروبا في التحديد الجغرافي، بل هو الشرق الإسلامي المقابل للغرب المسيحي .
يتضمن تحديد مصطلح الشرق والغرب العديد من الدلالات منها: الدينية والثقافية، فإلى جانب المعنى الجغرافي، ارتكز النظر إلى الشرق والغرب بالمعنى الديني، حيث تم تعيين الشرق بهيمنة الإسلام والغرب بهيمنة المسيحية، واليوم نعتقد أن هذا التحديد لم يعد في محله لأن قرنا وما يزيد من الحديث عن تعايش الأديان والالتزام بحقوق حقوق الإنسان: حقوق الأقليات والإثنيات وحفظ اللغات والثقافات، جعلت العالم لا يعرف مركزا محددا لدين ما. ففي كل دولة تتعايش الديانات بهذا القدر أو ذاك، ولعل قرونا من الإصلاحات الدينية في أوروبا والتغيرات الحاصلة في غيرها وضعت حدا لتماهي السلطة الدينية في السلطة السياسية، وحتى إن تواجدت الدولة الدينية بالمعنى الوسطوي، فإنها لا تلغي تواجد طوائف دينية أخرى.
إننا اليوم إزاء شرق متنوع دينيا وغرب متنوع دينيا أيضا وحتى الشرعية التاريخية التي كانت تزكي وجود ناطق رسمي باسم دين معين لم تعد، حيث لم تعد هناك سلطة واحدة تملك الحق على هذا الدين دون غيرها، وهذا التفكك الذي أصاب السلطة الدينية لم يكن ممكنا إلا بوجود تفكك مترافق أصاب السلطة السياسية.
بات من المؤكد أن مسألة العلاقة بين الشرق والغرب، هي من أمهات المسائل المتعلقة اليوم بالوضع العالمي: فهل نجد في مقاربة الفكر العربي المعاصر لهذه الإشكالية ما يمكن أن يكون مدخلا لهكذا موقف ضروري اليوم؟ وكيف تمثلت النخبة العربية المعاصرة هذه الثنائية؟
أشرنا سلفا إلى أن الضرورة تقتضي منا تحديد الموضوع، فقراءة وفهم المواقف التي تروج اليوم في الساحة الفكرية العربية ما كان ممكنا دون الرجوع إلى مقالات خطاب الإصلاح والنهضة، لأن خطاب الحداثة اليوم هو خطاب مؤسس على خطابين سابقين له: خطاب النهضة، خطاب الثورة. ولعلنا نختار من أهم هذه الخطابات، مساهمة شيخ الأزهر الأنواري (المتنور) رافع رفاعة الطهطاوي.
? فلماذا هذا الاختيار؟ ما الذي يدعونا إلى تتبع صورة الآخر في "تخليص الإبريز في تلخيص باريس"؟ ولماذا هذه العودة إلى القرن التاسع عشر تحديدا؟
? ألا يجدر بنا النظر إلى المستقبل والتفكير في المسألة وفق مستجدات عالم اليوم؟ ما أهمية الطريقة التي نظرنا أو ننظر بها إلى الغرب، في ظل حركة العولمة وثورة الاتصالات والمعلوميات؟
? هل هناك ما يبرر هذا المسعى في ظل نزوع الغرب نحو الهيمنة الثقافية، وما يشكله من تهديد للهويات الأخرى المغايرة؟
إن للاهتمام بشيخنا المتنور ما يبرره:
? فهو أول من تأمل الغرب في دياره خلال العصر الحديث ؛
? طبيعة الصورة التي رسمها عن هذا الغرب، تنم عن رؤية تقدمية تعبر حق التعبير عن حسه النقدي وعن انفتاح قل نظيره مقارنة مع التصورات الكلاسيكية التي تعج بها الرحلات في العصور الوسطى وما قبلها؛
? دعوته العرب ـ المسلمين إلى الانفتاح على الغرب والاستفادة من علومهم ومعارفهم وتحضرهم لتجاوز واقع التخلف والانحطاط الذي يعيشونه؛
? وعيه المبكر بعمق إشكالية العلاقة بين الأنا والآخر؛
? عمق تفكير هذا الشيخ المتنور الذي يعود له الفضل في الدفاع عن الحرية والعدل والمساواة والوطن والوطنية... وتم كل ذلك بفضل اطلاعه الواسع على ثقافة وفنون الغرب (فرنسا تحديدا)، وهو لا يدخر جهدا لترجمة القوانين الفرنسية والدعوة إلى الاستفادة منها وإلى التعجيل بالإصلاحات السياسية الكفيلة بتحسين أحوال العرب ـ المسلمين؛
? اكتشافه لذلك الوجه الحضاري للغرب الذي يناصر العقل والتنوير والعلم كأداة للرقي والتمدن. ومحاولته تجاوز الأطروحة السلفية التي تدعو إلى مقاطعة الغرب والعودة إلى الماضي المجيد، فالدعوة من هذا القبيل مرفوضة عند الطهطاوي، لأن الغرب لم يصل إلى ما وصل إليه إلا بفضل الماضي المجيد للحضارة العربية الإسلامية، ومنطق التاريخ عنده يقضي بالانفتاح عليه والاستفادة منه لا الانغلاق على الذات ونبذ الآخر، فهذه الرؤية الإقصائية لا تفيدنا في شيء بل ستزيد من التخلف الذي نعيشه؛
? العودة إلى الربع الأول من القرن التاسع عشر، إنما هي من أجل فهم الحاضر والإجابة على أسئلة المستقبل، لكن ليس بعيون ماضوية سلفية. فالربط بين الماضي والحاضر يتم من أجل استشراف المستقبل، لأن الكيفية التي نتعامل بها مع الغرب لا تخص الماضي، ولكنها تجسد ما نصبو إليه، وتكشف عن رؤانا المتعددة والمتنوعة للذات والآخر معا.
فلهذه الاعتبارات ولغيرها، ارتأينا تتبع صورة الآخر في كتاب "تخليص الإبريز في تلخيص باريس"، أو "الديوان النفيس في إيوان باريز"، نظرا لأهميته في تجذير الوعي بالآخر في الفكر العربي الحديث. وقبل ذلك لا بأس في أن نضع القارئ أمام صورة مقتضبة وعامة عن حياة الشيخ المتنور وعن كتابه محددين مفهوم الصورة وطبيعة الرحلة متجهين صوب تتبع صورة الآخر في ثنايا النص، ناهيك عن الوقوف على السياقات التاريخية والاجتماعية والسياسية التي أنتجته.

أولا: الطهطاوي الشيخ الأنواري:
نبذة عن حياته:
1. من الريف المصري إلى القاهرة
رفاعة بن بدوي رفاعة بن علي الطهطاوي (1801 – 1873)، من مواليد طهطا (والنسبة إليها طهطي)، التحق بالأزهر (بالقاهرة) سنة 1817 وهو ابن السادسة عشر، ودرس فيها الفقه والنحو الحديث والتفسير والصرف...  وتتلمذ على يد الشيخ حسن العطار (1766 – 1835)، الذي درس اللغة العربية لبعثة نابليون بونبرت وتعلم الفرنسية بفضلهم واقتبس منهم أفكار التنوير، والذي لعب كذلك دورا كبيرا في تعليم رفاعة.
 2. من القاهرة إلى باريس
عندنا قرر محمد علي إيفاد بعثة من الطلبة (44 طالبا أغلبهم مصريين) إلى فرنسا، اقترح الشيخ حسن العطار تلميذه (الطهطاوي) ليكون إماما ومرشدا دينيا للبعثة التي انطلقت سنة 1826 لتعود سنة 1831 يعد أن اجتاز رفاعة يوم 19 أكتوبر 1830 امتحانه النهائي. وبفضل توجيهات شيخه دون رحلته خلال إقامته بباريس، وتقدم بهذا العمل في امتحان التخرج إلى لجنة المستشرقين التي ناقشته، كرسالة تكميلية إلى جانب اثني عشر موضوعا مترجما. نشرت الرحلة لأول مرة في القاهرة سنة 1834. ولهذا تستحق أن نتوقف عندها طويلا، خاصة وأنها قليلة التداول حتى بين مثقفينا!
 3. دوره وأهميته ومكانته في النهضة العربية
لقد ناضل الطهطاوي من أجل مد الجسور والصلات بين مصر المتخلفة وفرنسا "المتحضرة" و"المتقدمة"، من خلال دعوته لقومه إلى الانفتاح على المجتمعات المتحضرة وهو بذلك يقف في وجه دعاة السلفية ـ المحافظة. ودعا إلى ضرورة تجديد "المخالطات" بين المصريين وغيرهم من ذوي الحضارة والنباهة أي إلى التثاقف، حيث يقول: "مخالطة الأغراب، لا سيما إذا كانوا من أولى الألباب تجلب للأوطان من المنافع العمومية العجب العجاب" . ولم تكن دعوته تلك خالية من الوطنية، فهو يدرك جيدا "أن وراء احتكاك أوروبا بالشرق أهدافا استعمارية يبتغيها الأوروبيون"، لذا فدعوته كان ورائها فحص نقدي لمطامع الأوروبيين، ومن ثمة دفاعه المستميث عن الوطنية والاستقلال الوطني. فرفض المنطق الاستعماري لأن "الأمة المصرية أصعب ما على نفوسها الانقياد للأغراب".
 ثانيا: عن الرحلة
دور البعثات العلمية في عصر محمد علي (1805 – 1849)
كانت محاولة التحديث والاستقلال والبناء الحضاري أو لمحاولة مبكرة أبانت عن حاجة العرب إلى حضارة حديثة تقوم على أسس علمية وتقنية كما هو الحال بالنسبة للحضارات الغربية. كما أبانت هذه المحاولة عن قدرة العرب على التأقلم مع معطيات العالم الجديد. ومهما كانت نوايا محمد علي من التحديث، فإن ما قام به يمثل لحظة تاريخية هامة في تاريخ مصر، بحيث ساهم في تطوير الجيش والطب والتعليم والصناعة والزراعة ومختلف مجالات الحياة العامة. فكيف حقق محمد علي ما كان يصبو إليه من اصلاحات؟
تشكل البعثات أهم استراتيجية بنى عليها محمد علي طموحاته ولكنه أسس قبل ذلك المدارس والمعاهد العلمية في مصر ليتلقى فيها المصريون العلوم التي تنهض بالمجتمع كله، وقد تم ذلك في ظل تواجد الأوروبيين في مصر.
بدأت أولى البعثات حوالي عام 1813 إلى إيطاليا: روما، ميلانو، ليفورن، فلورنسا...  لتعلم الفنون العسكرية وبناء السفن وتعلم الهندسة... ثم إلى بريطانيا وفرنسا وبلغ عدد المستفيدين منها 28 طالبا أشهرهم عثمان نور الدين الذي اتجه إلى فرنسا وصار قائدا للأسطول المصري.
أما البعثات الكبرى فقد انطلقت سنة 1826 (وهي الثانية من نوعها والتي أرسل فيها 44 طالبا إلى فرنسا)، أعقبتها بعثة ثانية سنة 1844 والمكونة من 70 طالبا، وقد بلغ عدد طلاب البعثات ما بين عامي 1831 و 1847 ما مجموعه 319 طالبا ساهموا جميعا في نهضة مصر العلمية والاقتصادية والسياسية ... وهي التي شارك فيها الطهطاوي إماما للبعثة وعاد منها شيخا متنورا مؤسسا للفكر العربي وواضعا أسسه الأولى.
 سياقها التاريخي
انطلقت الرحلة يوم الجمعة 17 مارس 1826، وانتهت في فبراير / مارس 1831، واستغرقت خمس سنوات، ولقد حولها الشيخ المتنور إلى بؤرة استكشاف وبحث دءوب تشخص وتقدم، في تحليل دقيق، الإجابات لتحقيق نهضة حديثة. فلم يكن مجرد منبهر بعلوم الغرب وفنونهم الصناعية ومعارفهم الجديدة. لأنه يدرك جيدا قوة الغرب - أوروبا، وبراعته في الابتكار والتدبير وحسن التصرف وتقبل الآخر، وهنا يمكننا القول أن الطهطاوي حث "ديار الاسلام" على البحث عن العلوم والفنون والصنائع في "ديار الكفر". وكان من ذلك حرصه على ضرورة أخذ ما ينفع المسلمين من أسباب للرقي والتقدم؛ كيف لا وهو نموذج المثقف المسلح برؤية نقدية يقف بفضلها على الجوانب الإيجابية في الحضارة الغربية ويبرز السلبية منها في الآن ذاته، فلا شيء يأخذ كما هو، ولا شيء يترك كاملا، فهو يصحح ويدلي برأيه تارة و ينتقد تارة أخرى.
لقد شكلت النهضة والإصلاح عنوانا بارزا ومقصدا بعيدا في رحلة الطهطاوي، فهي ليست رحلة من أجل الرحلة وإنما هي رحلة من نوع خاص، رحلة المثاقفة، يستهدف من ورائها تحقيق ما لا يتحقق في رحلات أخرى، إنها رحلة كلها شوق إلى الترقي (بعبارة الكواكبي)، حيث كان مهتجسا بتمدن وترقي "أم الدنيا" إلى مسار الأمم الأخرى، وفي هذا يقول: "ولعمري الله، مدة إقامتي بهذه البلاد، في حسرة على تمتعها بذلك وخلو ممالك الإسلام منه".
 جنسها الأدبي
ينتمي "تخليص الإبريز في تلخيص باريس" إلى جنس أدب الرحلة، بالنظر إلى المكونات السردية التي تتضمنها وآليات الكتابة التي تسمح للتصنيف أن يأخذ مشروعيته لا في مجال الأدب وفقط، بل يمتد إلى حقل العلوم الإنسانية وما تكتنزه من مجالات جمة. وهنا تصبح الرحلة نافذة على التاريخ والفلسفة والجغرافيا والأنثروبولوجيا والإثنوغرافيا والاجتماعيات... بحيث يمكن العودة إليها حينما يتعلق الأمر باحدى هذه المجالات لتكون مرجعا، وهي بذلك تختزن كنوزا ثقافية تحفل بمعطيات تؤرخ لعصرها.
وتتعلق الرحلة بكونها سيرة للأنا يقدمها الرحالة من خلال وصفه ورسمه صورة للآخر، مما يضعنا أمام نص له سياقه الخاص ويظل محكوما بوعي الرحالة وثقافته والشروط التي أفرزته، وما يقتضيه ذلك من ضرورة وعي مسبق بتلك الشروط بالنظر إلى كون الرحلة مجالا وفضاء مفتوحا على كل الاحتمالات ولا يقبل الاختزال أو الابتسار، فهو يقدم صورة مجردة عن واقع ملموس عاصره الرحالة.
وبالنظر إلى أنواع الرحلات المعروفة والمتداولة في الأدب المقارن، فإن رحلة الطهطاوي تنتمي إلى رحلة المثاقفة التي تتوخى الاطلاع على ثقافة مغايرة والتفاعل معها من خلال تلاقح التجارب. فخمس سنوات من التحصيل وطلب العلم والتواجد مع الغير كانت كافية بالنسبة للطهطاوي لكي تحصل عملية التثاقف. ينضاف إلى ذلك معاصرته لأساتذته الذين لعبوا دورا كبيرا في استنهاض حضارة مصر القديمة.
 عن الكتاب
يمثل كتاب رفاعة رافع الطهطاوي حلقة من حلقات اتصال الشرقي والغربي، فهو "أول مؤلف يوضع باللغة العربية عن مجتمع غربي هو المجتمع الفرنسي"، و" أول رواية تطورية في الأدب العربي، تأخذ بنظرية التطور الحضاري وأسباب الرقي والتأخر..."  .
ويتضمن الكتاب تفاصيل مهمة عن الحياة الأوروبية عامة، ويتحدث عن النظم السياسية والحكومة والشعب والدستور... فهو أول محاولة لتأصيل الفكر السياسي في العالم العربي عن طريق الاحتكاك بالغرب وأنظمتة ويدعو إلى إعادة بدء التفكير من جديد في نظام الحكم الإسلامي وإلى السؤال عن طبيعته وأحكامه وأصوله الأولى .
ويتكون الكتاب من مقدمة في أربعة أبواب، وست مقالات، وخاتمة، وأطول المقالات، المقالة الثالثة التي عنونها ب: "في وصف باريس وحضارتها"، وهي الموضوع الرئيسي للكتاب على حد تعبير الطهطاوي "وهذه المقالة هي الغرض الأصلي من وضعنا هذه الرحلة، فلذلك أطنبنا فيها غاية الإطناب، وإن كان جميع هذا لا يفي بحق هذه المدينة"، وتشغل أكثر من نصف الكتاب .
وإن كان في الظاهر أن الكتاب هو وصف للآخر كما يعبر عن ذلك الطهطاوي نفسه، في النص أعلاه، فإننا نجد في الكتاب وصفا للأنا على ضوء تشريحه لوضعية الآخر، فصورة الآخر ما هي إلا وسيلة  لرسم صورة للأنا، أو بتعبير آخر فالغاية (إذن) "ليست وصف الآخر، بل قراءة الأنا في مرآة الآخر. فليست الغاية قراءة باريس في ذاتها، بل قراءة مصر في مرآة أوروبا، وليست الغاية الذهاب إلى باريس بل العودة إلى مصر" .
باريس كانت دوما مرآة للذات العربية، فهي مركز جذب لمختلف الأطراف المتعددة في العالم العربي، وكانت ولا تزال مركز جذب قوي، فهي تمثل لحظة معقدة من تاريخ الثقافة الحضارية بين الشرق العربي الإسلامي وبين الغرب الأوروبي (المسيحي تجاوزا).
لقد امتزج الاحتفاء العربي بهذه المدينة بفرحة الاكتشاف ودهشته، وفي نفس الوقت بتأمل حزين للذات الحضارية العربية المتخلفة قياسا إلى الغرب التي تتوجس لحالها.
ونستحضر هنا الصورة الانبهارية عن باريس التي تسعى إلى إضفاء مثالية على هذه المدينة إلى جانب البعد الحضاري الذي ظل يؤمن بأن بناء مشروع النهضة العربية المعاصرة، ينبغي أن يمر بهذه المدينة ـ المركز والتي وصفها الطهطاوي وصفا ظل يتكرر في العديد من الأدبيات: "من أحكم سائر بلاد الدنيا وديار العلوم البرانية وأثينة الفرنساوية ".
ويمكن اعتبار كتاب الطهطاوي كتابا في الآخر إذا صح اعتبارنا لكتاب "مناهج الألباب" كتابا في الأنا، فالتخليص لا يتعلق كله بالآخر، لأن هناك مقالات بأكملها تختص بمصر، وعلى وجه الخصوص المقالة الرابعة والخاتمة. ففيه يصف الأنا والآخر معا، بهدف فهم الأنا على ضوء الآخر، مما يعني أن مصر تظهر بوضوح وجلاء من خلال وصف باريس، فهذه الأخيرة مجرد وسيلة لفهم الذات والتعبير عما نحن بحاجة إليه. واستطاع الطهطاوي أن يمزج بين الشرق والغرب في سبيكة واحدة، فاحتفى بإيجابيات الغرب بلا عقد وبلا أحكام مسبقة، كأي عمل علمي جاد.
وتفوق أهمية الكتاب حدود عصره، بسبب إثارته لأهم الاعضالات التي ستشكل جزء من عناصر الخطاب العربي إلى اليوم، إن لم نقل أن الكتاب تنبه إلى إحدى القضايا التي لا تزال راهنية  (حينية actuelle ) إلى اليوم. كما يمثل الكتاب أهم وثيقة أدبية في مصر خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر.
وقدم لنا الطهطاوي صورة عن الغرب من خلال عاصمة الحضارة الأوروبية باريس. داعيا الشرقيين في شخص المصريين إلى ضرورة الاقتداء بالغرب من خلال التفاعل الإيجابي مع حضارتهم واقتباس ما هو جدير بالاقتباس منهم. ونادى بضرورة اللحاق بالغرب ونقل خبرتهم في مجالات الصناعة والعلوم والفنون... كما يدعو إلى ضرورة الوصل بين الشرق والغرب: فإذا كانت البلدان الإسلامية ضليعة في الإنسانيات، علوم الشريعة والفقه... والغرب في العلوم الرياضية والطبيعية، فإنه آن الأوان للربط بينهما لكي يستفيد كل واحد منهما من الآخر.
 ثالثا: صورة الآخر
في مفهوم الصورة
أمكننا القول، من جهة الاهتمام الأدبي أن تخليص الإبريز الذي يسعى إلى رسم صورة للآخر لفهم الأنا، يعتمد أساسا على الصورة  كأداة لتمثيل الأنا والأخر معا، بناء على معطيات قبلية واسقاطات ومشاهدات واحتكاك بثقافة وتقاليد هذا الآخر .
وهذا المستوى من التحليل الذي على جانب الصورة يضعنا أما صورة خاضعة لاعتبارات خارجية يمتزج فيها الذاتي بالموضوعي، وترتهن بأسلوب المؤلف*  وتأويلاته وأحكامه المسبقة، فالذات تمارس سلطتها المطلقة في رسم تلك الصورة كما تريد. وسنركز اهتمامنا هنا على صور ثلاث .
صورة التقديم: أي تقديم الذات حيث نجد أنفسنا أما"مصر أم الدنيا"، أي أمام ذات لا مثيل لها باعتبارها غاية وليس وسيلة. وهي على العموم صور محكومة بتمثلات قبلية وبالمستوى الوجداني- الانفعالي، وبذلك تكون ذاتية أكثر مما هي موضوعية. ونجد هذه الصور في المقالة الأولى وفي خاتمة الكتاب، ناهيك عما يخترق الكتاب بأكمله. ففي المقالة الثالثة، حيث يصف باريس، نجد صورة عن مصر حيث يقول: "لو تعهدت مصر وتوفرت فيها أدوات العمران لكانت سلطان المدن ورئيسة بلاد الدنيا، كما هو شائع على لسان الناس من قولهم: مصر أم الدنيا "، وقد مدحها مدة إقامته في باريس في قصيدة شعرية من 48 بيتا .
صورة التجسير: وهي صورة تبدأ في الانتقال من الأنا نحو الآخر، ونجده في نص الطهطاوي في نهاية المقالة الأولى والثالثة التي تمثل عصب الكتاب، وهنا تتحول الصورة إلى جسر للربط بين الأنا والآخر.
صورة الموقف: وتأتي في مرحلة متأخرة بعد عقد مقارنة بين الأنا والآخر، ومن خلال العودة إلى الذات،ونجد نظيرا لها في خاتمة الكتاب: " في الرجوع إلى مصر "، حيث تبلور الموقف من الآخر بشكل صريح وواضح، في قوله: "إن مصر أخذت الآن في أسباب التمدن والتعلم على منوال بلاد أوروبا. فهي أولى وأحق بما تركه لها سلفها من أنواع الزينة والصناعة" . فالذات أحق بما سلب منها، لأن الآخر لم يعد متفوقا ومتمدنا، لم يعد يبهر الزائر أو الناظر من بعيد أو من قريب، بل الأنا هي التي تستحق أن ترقى بتمدنها والافتخار بماضيها المجيد وبما لديها. ويتجسد هذا الموقف في محو صورة المتفوق والمتحضر و المتمدن الأوروبي عبر المماثلة بينه وبين الأنا فقد ظهر له "بعد التأمل في آداب الفرنساوية وأحوالهم السياسية أنهم أقرب شبها بالعرب منهم للترك ولغيرهم من الأجناس" . وذلك بغاية "حث أهل ديارنا على استجلاب ما يكسبهم القوة والبأس"، كما الحال في أوروبا.
ويتضح من هذا أن   صورة الآخر ليست هي الآخر، فالصورة تتشكل على مستوى الخطاب، المخيال،  كتمثل وليست كواقع، وبذلك تكون مخترعة ومبتكرة، لذلك تتخذ طابعا عاما (فضفاضا تحكم على الجميع من خلال حالات عينية مرئية وملموسة) إنها بهذا المعنى صورة متعددة ومتنوعة، ولا نكاد نجد لها نمطا واحدا، بل هي تتغير بتغير الزمان والمكان والسياق. وكل حديث عن الاخر وعن صورته يستوجب الحديث عن أنا تكون هذه الصورة وتوجدها. مما يحيلنا في الوقت ذاته على ذات تتأمل وتتمثل الآخر وتشكل صورته على مقياسها. وتتحول الأنا هنا إلى إطار جغرافي للآخر، هو " المرآة المثالية التي تنعكس فيها عيوب الذات، فهو ليس موضوعا للدراسة بل الظهر الأسود للمرآة التي تعكس شيئا" .
كانت صورة الغرب حتى منتصف القرن التاسع عشر صورة عامة عن بلدان تتقدم، لكن دون أن يخالط هذه الصورة شعور بالدونية. وكان التمايز الديني هو الحاسم في تحديد النظرة إلى الآخر وتوجيهها. مما ساهم في ظهور منطق الثنائيات: دار الإسلام في مقابل دار الكفر...
و تتطور صورة الآخر على نحو تاريخي فهي ليست دوما واحدة ولا ثابتة.
بل هي تعبير عن إنتاج اجتماعي متغير غير ثابت ولا يمثل أيا من ثوابت بنية العقل العربي، مما يعني أن موضوع صورة الآخر يتحول إلى موضوع سوسيولوجي، بدل أن يحتكر تاريخ الأفكار والاجتماعيات هذا الموضوع.
طوال القرن التاسع عشر ومنذ رحلة الطهطاوي إلى رحلة محمد بلخوجة التونسي في "ملوك الإبريز في مسالك باريز" (1900)، فإن الرحلة العربية هي بمثابة بحث عن الذات أكثر مما هي اكتشاف الآخر, وهذا ينم عن وجود الصورة وجودا سابقا، وليست الرحلة سوى وسيلة لإعادة بناء تلك الصورة وتوظيفها بما يخدم فهم الذات، أي أن الصورة سابقة على الحدث.وسنعمل هنا على استقصاء هذا الحكم والتأكد من صحته،بحيث إدراك صورة الآخر تحيل إلى واقع من يبنيها وتعبر عنه أكثر مما تحيل إلى واقع من بنيت صورته.وهذا ما سنكشف عنه.
 صورة الآخر في تلخيص باريس
حاول الطهطاوي ـ عكس الجبرتي ـ أن يرسم صورة للغرب من خلال معاينته للغرب في عقر داره، اي في مجتمعه وليس من خلال معاينته في مصر. فخلال إقامته بباريس دون مشاهداته حيث تعرف على المؤسسات بكافة أنواعها: السياسية، الثقافية، الاجتماعية... والعادات والتقاليد السائدة في أكبر المدن تحضرا في العصر الحديث.
إذا كان موضوعنا هو تتبع صورة الآخر في "تخليص الإبريز" فإننا نسوق هنا ملاحظة جديرة بالاهتمام، وهي أن الأمر لا يتعلق برسم صورة وفقط، وإنما بمحاولة التأصيل للحداثة العربية، فهذه الفكرة في نظرنا ظلت تراود الشيخ المتنور،إن لم نقل أنها الخيط الناظم لرحلته، مما يدل عن وعي مسبق بعمق المسألة: اي أن الصورة التي يسعى إلى رسمها عن الآخر ـ الغرب، محكومة بهدف فهم الأنا من خلال فهم الآخر.
ففي المشاهدة يلاحظ الطهطاوي تفوق الغرب الحضاري في الفنون والعلوم والصنائع وكل مجالات الحياة الدنيوية، في مقابل تأخر الذات ـ الأنا، بخصوص هذه المجالات باستثناء الدين، وهنا نكون إزاء معادلة ميكانيكية: التفوق الديني يرافقه تخلف اجتماعي ودنيوي، في حين أن التفوق الاجتماعي والدنيوي، يرافقه تخلف ديني. وهذا ما يفسر دعوة الطهطاوي المسلمين إلى ضرورة الاستفادة من علوم الغرب للرقي بالأمة المسلمة، ف "الحق أحق أن يتبع". أي علوم الفرنسيس تحديدا اللذين: يصفهم بكونهم:
- يحبون العمل؛
- بعيدون عن الإسراف متفائلون في حب أوطانهم؛
- يتميزون بالذكاء والفهم...
ويعترف الطهطاوي لباريس بالتسامح الديني واحترام تعبدات الغير.وفي خضم وصفه لباريس يرسم
صورتين متناقضتين للغرب:
- صورة انبهارية: التفوق ....
- صورة انتكاسية: ديار كفر، يهدد الإسلام وعدو له...
ينعت الطهطاوي في الباب الأول من المقدمة أهل باريس بأهل "ديار كفر وعناد" حيث يقول: "في ذكر ما يظهر لي عن سبب ارتحالنا إلى هذه البلاد التي هي ديار كفر وعناد"، فهل يصح أن نقول أن الطهطاوي احتفظ بالثنائية المشحونة بالصراع الديني الذي ساد العلاقة بين الشرق والغرب في العصور الوسطى حيث التقسيم جار بين ديار الكفر وديار الإسلام؟
أكيد أن الطهطاوي يعيد النظر في هذا التقسيم فهو يرى أن الإنسانية تتقدم إلى الأمام وهكذا قدم لنا تقسيما جديدا للناس إلى ثلاثة مراتب:
? الهمل المتوحشين؛
? البرابرة الخشنين؛
? أهل الأدب والظرافة والتحضر والتمدن...
يتنافس في المرتبة الثالثة: مصر والشام واليمن والروم والعجم والمغرب والإفرنج، وسنار وبلاد أمريكا، وكثير من جزائر البحر المحيط، فإن "جميع هؤلاء الأمم أرباب عمران وسياسات، وعلوم وصناعات وشرائع وتجارات، ولهم معارف كاملة في آلات الصنائع والحيل على حمل الأشياء" (ص 16).
وهذا ما يدل على إيمان الطهطاوي بالنظرة التطورية، وباقتناعه بالتقدم التاريخي.
ويعترف في الباب الثاني من المقدمة بأن العلوم التي سردها والتي عددها خمسة عشر علما  والتي قال عنها:  "إذا نظرت بعين الحقيقة رأيت سائر هذه العلوم المعروفة معرفة تامة لهؤلاء الإفرنج ناقصة أو مجهولة بالكلية عندنا، ومن جهل شيئا فهو دون من اتقى ذلك الشيء" .
وباريس نموذج للحضارة الغربية إليها يأتي كل أهل البلاد البعيدة من أمريكا ولندن... حيث يقول:
"فأعظم مدائن الإفرنج مدينة "لوندرة"، وهي كرسي الانكليز، ثم "باريز"، وهي قاعدة ملك فرانسا، وباريز تفضل على لوندرة بصحة هوائها، كما قيل، وطبيعة الأهل، وبقلة الغلاء التام، وإذا رأيت كيفية سياستها علمت كمال راحة الغرباء فيها وحظهم وانبساطهم مع أهلها، فالغالب على أهلها البشاشة في وجوه الغرباء ومرعاة خاطرهم، ولو اختلف الدين، وذلك لأن أكثر أهل هذه المدينة انما له من دين النصرانية الاسم فقط... وبالجملة، ففي بلاد الفرنسيس يباح التعبد بسائر الأديان، فلا يعارض مسلم في بنائه مسجدا، ولا يهودي في بنائه بيعة..." . ويواصل في المقالة الثالثة وصفه لباريس بكثير من الدقة المحكمة.
في وصف باريس
"مدينة باريس من أحكم سائر بلاد الدنيا
وديار العلوم البرانية وأثينة الفرنساوية"
يحكم ذهاب الطهطاوي إلى باريس إطاران:
إطار رسمي: حيث أرسل في بعثة رسمية لتلقي العلوم واستحسن بهذا الخصوص اهتمام محمد علي بالعلوم،عملا بسنة المسلمين في عهد الخلفاء وفي الحكم العباسة حيث يقول: "أن العلوم لا تنشر في عصر إلا بإعانة صاحب الدولة لأهله"، "فالناس على دين حكامهم".
وإطار ديني: حيث أرسل كمرافق ديني للبعثة من طرف شيخه "حسن العطار".
إلا أن سفره كان محكوما بغاية "حث ديار الاسلام على البحث عن العلوم البرانية والفنون والصنائع، فإن كمال ذلك ببلاد الافرنج أمر ثابت شائع والحق أحق أن يتبع"، وذلك تأسفا لحال المسلمين حيث يقول:
"ولعمر الله أنني مدة إقامتي بهذه البلاد في حسرة على تمتعها بذلك وخلو ممالك الاسلام منه".
ويحكم وصف الطهطاوي لباريس ولأهلها صورتان، إيجابية وسلبية:
تتمثل الصورة الإيجابية في:
أن باريس ـ بالنسبة له ـ مدينة مثالية بمرافقها المتنوعة ونظافتها، وقوانينها، وهي "أعظم بلاد الافرج بناء وعمارة" أو "أعظم مدن الإفرنج التي يرحل إليها الغرباء لتعلم العلوم خصوصا العلوم الطبية"، وهي "من أعمر مدائن الدنيا، ومن أعمر مدائن الإفرنج الآن، وهي كرسي بلاد الفرنسيس، وقاعدة ملك فرانسا" .
وعن أهلها يقول: "اعلم أن الباريزيين يختصون من بين كثير من النصارى بذكاء العقل ودقة الفهم وغوص ذهنهم في العويصات، وليسوا مثل النصارى القبطة في أنهم يميلون بالطبيعة إلى الجهل والفغلة، وليسوا أسراء التقليد أصلا، بل يحبون دائما معرفة أصل السيء والاستدلال عليه، حتى ان عامتهم أيضا يعرفون القراءة والكتابة، ويدخلون مع غيرهم في الأمور العميقة، كل إنسان على قدر حاله..." .
وفي باريس :
? سائر العلوم والفنون والصنائع مدونة في الكتب؛
? عوام ليست من قبيل الأنعام كعوام أكثر البلاد المتبربرة؛
? الصنائع بحاجة إلى القراءة والكتابة ليتقن حرفته وصناعته؛
? الفنان يحتاج إلى أن يبدع في فنه...
? أهل يتنوعون في ملبسهم لأن من طباعهم التولع والتطلع إلى الجديد وحب التغيير والتبديل؛
? وآرائهم في السياسات لا تتغير، كل واحد يدوم على مذهبه ورأيه، ويؤيده مدة عمره، ومع كثرة ميلهم إلى أوطانهم يحبون الأسفار، يطوفون في الشرق والغرب، ويضحون من أجل وطنهم حيث يقول: "قد يلقون بأنفسهم في المهالك لمصلحة تعود على أوطانهم" .
? "ومن خصالهم محبة الغرباء، والميل إلى معاشرتهم، خصوصا إذا كان الغريب متجملا بالثياب النفيسة" . وهنا يسجل الطهطاوي مسألة في غاية الأهمية: وتتعلق بالانفتاح الذي يظفر به الباريسيون في تعاملهم مع الغير ـ الغريب، وهذا دليل على التسامح والانفتاح وعلى تفوقهم من هذه الناحية، ونحن على اقتناع أن الطهطاوي يركز كثيرا على هذه الصورة وغيرها من الصور التي نلمس فيها قيم التسامح والإخاء لتصحيح ما كان سائدا في البلدان الشرقية ـ العربية الإسلامية تحديدا جراء الاستعمار ومن خلال ما مارسه المستعمر من بطش واستبداد ضد المقاومة.
? "ومن أوصافهم:
- توفيتهم غالبا بالحقوق الواجبة عليهم؛
- عدم أهمالهم أشغالهم أبدا؛
- الوفاء بالوعد وعدم الغدر وقلة الخيانة؛
- صرف الأموال في حظوظ النفس والشهوات الشيطانية واللهو واللعب، فإنهم مسرفون؛
وهم يشبهون في بعض طباعهم العرب حيث يقول: "ومن الأمور المستحسنة في طباعهم، الشبيهة حقيقة بطباع العرب، عدم ميلهم إلى حب الأحداث والتشبب فيهم أصلا، فهذا أمر منسي عندهم، تأباه طبيعتهم وأخلاقهم".
ومن الأمور المستحسنة أيضا أنهم يصنعون مجاري تحت الأرض توصل ماء النهر إلى حمامات أخرى وسط المدينة، وهذا كله على خلاف ما هو عليه الأمر في مصر، فالأمر يتعلق بما وصله أهل ديار الكفر ـ باريس من المدنية والتقدم لتسهيل العيش وتوفير الرفاه للمواطنين، فالناس يؤدون مكوسهم لتحقق لهم الدولة وتوفر لهم حقوقهم الطبيعية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، عبر تعاونيات وجمعيات اجتماعية تخدم من هم في عطالة مؤقتة عن العمل أو دائمة.
ولا يكتفي الطهطاوي بتعداد خصال وحسنات أهل باريس، وإنما خصهم بذكر خصالهم الرديئة حيث يقول: "ومن خصالهم الرديئة: قلة عفاف كثير من نسائهم، كما تقدم، وعدم غيرة رجالهم فيما يكون عند الإسلام من الغيرة"، وهذا هو جوهر الصورة السلبية التي تتمثل في:
أن "الرجال عندهم عبيد النساء، وتحت أمرهم، سواء كن جميلات أم لا"، فإذا كانت النساء لدى الهمل المتوحشين "معدات للذبح"، وعند بلاد الشرق ك"أمتعة البيوت"، فإنها عند أهل باريس ـ الإفرنج "كالصغار المدلعين".
ومن عقائدهم القبيحة قولهم: "أن عقول حكمائهم وطبائعهم أعظم من عقول الأنبياء، وأزكى منها. ولهم من العقائد الشنيعة، كإنكار بعض القضاء والقدر، وإن كان لا ينبغي للإنسان أن يحيل الأشياء على المقادير أو يحتج بها قبل الوقوع"، على الرغم من أنه يحاكم هنا الباريزيين بعقليته الأزهرية، وهذا ما سميناه فيما قبل بتدخل الذات في عملية التصوير، وما يعنيه ذلك من الطابع النسبي لهذه الأحكام التي لا ترتكز على أحكام موضوعية، بل تنطلق من حالات عينية وتعمم على الجميع.
ومدينة باريس مدينة الفواحش والبدع وفي هذا يقول: "وبالجملة، فهذه المدينة كباقي مدن فرانسا وبلاد الافرنج العظيمة مشحونة بكثير من الفواحش والبدع والضلالات، وإن كانت مدينة باريس من أحكم سائر بلاد الدنيا وديار العلوم البرانية وأثينة الفرنساوية" . هنا نجد صورتين متناقضتين لباريس، فهي عاصمة الثقافة وفي نفس الوقت مكان للفواحش والبدع. وهذا كله وفاء من عند الشيخ لما يراه ويشاهده ويراقبه عن قرب في شوارع باريس وليس من إبداع مخيلته. ويحق لنا هنا أن نسجل إن الأمر لا يتعلق بصورة متخيلة بقدر ما يتعلق الأمر بصورة واقعية نسجها لنا الشيخ في كتابه.
ومن خلال هاتين الصورتين، فإن الطهطاوي يعبر عن حسه النقدي ووفاءه لمنهجه المتبع الذي يقضي برسم صورة حقيقية عن باريس كنموذج.
باريس إذن "جنة السماء، وأعرف الرجال، وجحيم الخيل"، فبهذه العبارة يلخص الطهطاوي جملة ما ورده عن تمدن باريس. فالنساء بها منعمات سواء بمالهن أو بجمالهن، في حين أن الرجال فيها عبيد النساء، "فالرجل يحرم نفسه وينزه عشيقته". أما الخيل فإنها تجر العربات ليلا ونهارا على أحجار أرض باريس، وهي فيها "معذبة" دائما.
باريس مجتمع العلم
يذكر في الفصل الثالث عشر تقدم أهل باريس في العلوم قائلا: "والعلوم في مدينة باريس تتقدم كل يوم، فهي دائما في الزيادة، فإنه لا تمضي سنة إلا ويكشفون شيئا جديدا، فإنهم قد يكشفون في السنة عدة فنون جديدة أو صناعات جديدة أو وسائط أو تكميلات" .
ويفصل في كل علم على حدة وفي الخزانات الموجودة بباريس والمكتبات والأكاديميات... ف "البلاد الإفرنجية قد بلغت أقصى مراتب البراعة في العلوم الرياضية والطبيعية وما بعد الطبيعة أصولها وفروعها، ولبعضهم نوع مشاركة في بعض العلوم العربية وتوصلوا إلى فهم دقائقها وأسرارها... غير أنهم لم يهتدوا إلى الطريق المستقيم، ولم يسلكوا سبيل النجاة، وكما أن البلاد الإسلامية قد برعت في العلوم الشرعية، والعمل بها، وفي العلوم العقلية، وأهملت العلوم الحكمية بجملتها، فلذلك احتاجت إلى البلاد الغربية في كسب ما لا تعرفه" .
ويعود الفضل في انتشار العلوم ـ بحسب الطهطاوي ـ إلى اهتمام الحاكم بذلك حيث يقول: "إن العلوم لا تنتشر في عصر إلا بإعانة صاحب الدولة لأهله، وفي الأمثال الحكمية: الناس على دين ملوكهم" .
فباريس مدينة تشتهر بتجارة الكتب فتبهرك بكل ما يتصل فيها بالتعليم والتربية مما يقوي أواصر الحضارة لدى الآخر حيث الصنائع مدونة بالكتب، ويمكن أن يتعلمها من شاء، عكس ما نلتمسه عند الأنا من جهل تام واحتكار للصنعة، وامتهانها من طرف من لا يعرفون الكتابة والقراءة. فالعوام بديار الإسلام ليس بإمكانهم المشاركة في المناقشات العمومية، أو في تداول الصناعة لجهلهم. وعلى هذا الأساس فإن الاختلاف قائم بين الأنا والآخر في كل ما سبق مما يعبر عن لاتكافئ بينهما.
وفيما يتعلق بالعلوم، فإن تقدم الآخر بخصوص العلوم المدنية والحكمية والصنائع الدنيوية يقابله جهله بالكلية علوم الشريعة التي تميز الأنا، مما يعني عمليا أن الأنا إذا أتقنت علوم الآخر ستتفوق عليه وستعيش عصره الذهبي كما كان عليه الأمر في أيام الخلافة الإسلامية. وعلى هذا اشتغل الطهطاوي بالترجمة، وقام بترجمة الكتب في الجغرافيا والتاريخ والأدب/ ومختلف العلوم اقتناعا منه بأن لا محيد عن هذا العمل لتحصيل وبناء حضارة راقية.
وفي تعظيم العلم والعلماء لدى الآخر يذكر الطهطاوي كيفية تحصيله اللغة والعلوم في عقر دار الآخر، والمكانة التي حظي بها هو وغيره من زملائه في الرحلة. واستدل ببعض الرسائل التي نشرها والتي تبادلها مع كبار علمائهم الذين أشرفوا على تعليهم وهي تترجم "رغبة الفرنساوية في تحصيل الكتب الغربية، وترغيبهم للمؤلفين أو المترجمين في ترجمة الكتب وتأليفها" .
ولا ينسى أن يذكرنا بكل ما تعلمه من علوم أثناء إقامته بباريس فذكر بالتاريخ وما تحصله في علوم المنطق والجغرافيا.. وهو بذلك يسعى إلى اقتسامه مع غيره من أهل ديار الإسلام.
وذكر بأعظم "أساتيذه" بفرنسا آدم فرانسوا جومار 1777-1862 Edme – François Jomard  (المدير الفرنسي للبعثة)، وأول من اكتشف مواهب وطاقات الطهطاوي فور وصوله سنة 1826. وهو مهندس جغرافي من علماء الحملة الفرنسية الذين استعان بهم نابليون بونابرت  Napoléon Bonaparte  إلى جانب ضباط جيشه، وهو الذي أشرف فيما بعد على نشر موسوعة "وصف مصر" Description de l'?gypte التي ضمت دراسات أولئك العلماء، وتولى رئاسة الجمعية الجغرافية وعضوية العديد من الهيئات الثقافية والتربوية. ودفعه اهتمامه الشديد بمصر إلى الاتصال بمحمد علي وتشجيعه على إرسال البعثات إلى فرنسا عوض إيطاليا.
اعتنى "جومار" بدراسة الطهطاوي في باريس، واكتشف فيه أمله المنشود في نقل المعارف الحديثة إلى اللغة العربية ـ وفي نفس الوقت ـ وجد الطهطاوي في "جومار" مواصفات العالم الحديث، فتحدث عنه بإعجاب بالغ فقال: "وشهرة معارف "مسيو جومار" وحسن تدبيره يوقع في نفس الإنسان من أول وهلة تفضيل القلم على السيف، لأنه يدبر بقلمه ما لا يدبر غيره بسيفه ألف مرة، ولا عجب، فبالأقلام تساس الأقاليم، وهمته في مصالح العلوم سريعة، كثيرة التأليف والاشتغال، والغالب أن هذه الخصلة في سائر علماء الإفرنج، فإن مثل الكاتب كالدولاب إذا تعطل تكسر! وكالمفتاح الحديدي إذا ترك ارتكبه الصدأ! وجناب "مسيو جومار" يشتغل أناء الليل وأطراف النهار.
 باريس مجتمع الحضارة والتمدن
في الفصل الرابع من المقالة الثالثة يتحدث الطهطاوي عن أسس الحضارة والتمدن الفرنسي قائلا: "تقرر أن الملة الفرنساوية ممتازة بين الأمم الإفرنجية بكثرة تعلقها بالفنون والمعارف، فهي أعظم أدبا وعمرانا"، ويقف فيه على عادة سكنى أهل باريس متنبها إلى أن العلم والمعرفة هي العلامة المميزة لهم عن غيرهم. ويذكر بالعديد من الأشياء المتصلة بالعادات والسكن وخصائص الدور (المنازل)، والعطل التي يختصون بها. حتى أن الأغنياء منهم يقضون الصيف في أماكن أخرى (البوادي) أو ببلاد أخرى. كما يتميزون أيضا بنظافة بيوتهم من سائر الأوساخ...
ويقف أيضا على الملابس الشهيرة عندهم وطرق استعمالها، والمتنزهات التي تميز باريس، ويعالج سياسة صحة الأبدان بهذه المدينة، واعتناء أهلها بالعلوم الطبية حيث يقول: "اعلم أن مدينة باريس هي أعظم مدن الإفرنج التي يرحل إليها الغرباء لتعلم العلوم، وخصوصا العلوم الطبية" .
ويعدد أصناف العلوم الطبيعية والمدارس الشهيرة بتدريسها، مترجما قانون الصحة، أو ما سماه: نصيحة الطبيب. دون أن ينسى فعل الخير بهذه المدينة فيما يرتبط بفقدان العمل، وهذا ما خص به الفصل العاشر من المقالة الثالثة. أما الفصل الحادي عشر فتناول فيه كسب المدينة ومهاراتها.
ويواصل في هذه المقالة وغيرها تعداد خصال وصفات الفرنسيين ومدينتهم البهية، وكل ما يتصل بالحضارة الفرنسية وما يميزها عن بقية الحضارات الافرنجية. فباريس عنده هي أزهى وأرقى مدائن الغرب، ولا شك في ذلك بالنظر إلى مكانتها آنذاك باعتبارها عاصمة عالمية.
وبين الحين والآخر لا يتناسى الشيخ المتنور الوقوف على القواسم المشتركة بين أهل باريس والعرب وفي هذا يقول: "ومما يستغرب أن في رجال العسكرية منهم من طباعه توافق طباع العرب، في شدة الشجاعة الدالة على قوة الطبيعة، وشدة العشق الدالة ظاهرا على ضعف العقل، ومزاجهم كالعرب في الأشعار والحربية بالغزل، فقد رأيت لهم كلاما كثيرا يقرب من كلام بعض الشعراء العرب" .

دولة العدل والإصلاحات السياسية والحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية
يدعو الطهطاوي إلى ضرورة اقتباس النظم السياسية: فالدستور الفرنسي الذي ترجمه ينبغي الإشادة به وإن كان غالب ما فيه ليس في القرآن ولا في السنة.
ويدافع عن الحرية والعدل والمساواة... إيمانا منه أن الآخر هو طريق وعي الذات، لأن وجود الآخر وجود موضوعي يساهم في وعي الذات لذاتها. وبدل إقصاءه ينبغي الاعتراف به، والاستفادة مما بلغه من تقدم، واستعارة علومه. وهنا يتحدث الطهطاوي عن الحكومة الفرنسية ليكون "تدبيرهم العجيب" عبرة لمن اعتبر، وبعد استعراضه أجهزة الدولة كافة أشاد بالنظام الديمقراطي الفرنسي الذي ابهره أيما انبهار.
ولقد حرص الطهطاوي على ترجمة مواد الدستور الفرنسي معلقا على المواد الاساسية منه، ويناصر المساواة التي تقرها المادة الأولى منه "سائر من يوجد في بلاد فرنسا من رفيع ووضيع... حتى إن الدعوى الشرعية تقام على الملك وينفذ عليه الحكم كغيره. فانظر إلى هذه المادة الأولى، فإنها لها تسلط عظيم على إقامة العدل وإسعاف المظلوم وإرضاء خاطر الفقير بأنه كالعظيم نظرا إلى إجراء الأحكام"، معتقدا أن هذه المادة من الدلائل الواضحة على وصول العدل عندهم إلى درجة عالية، رفيعة. فإن ما يسمونه الحرية ويرغبون فيه هو عين ما يطلق عليه عندنا العدل والإنصاف. وذلك لأن معنى الحكم بالحرية هو إقامة التساوي في الأحكام بحيث لا يجوز الحكم على الإنسان إلا بالقوانين التي تمثل المحكم الأولى والأخيرة.
وإصلاح أحوالنا وأوضاعنا لا يتم إلا بالاحتكام إلى ما احتكم إليه قدماء العرب والمسلمين، ففي ماضينا نجد العدل والمساواة ولكن هذا لا يعني أننا قادرون على إصلاح الذات دون الاقتداء بالآخر ف"البلاد الإسلامية قد برعت في العلوم الشرعية، والعمل بها، وفي العلوم العقلية، وأهملت العلوم الحكمية بجملتها، فلذلك احتاجت إلى البلاد الغربية في كسب ما لا تعرفه" ..  وعلى مقتضى هذه الخلاصة، فقد لعب الطهطاوي دورا في النهضة الفكرية العربية، وكان لفكر الأنوار أثر عميق في تفكيره، ومن خلاله في الفكر العربي الحديث والمعاصر، وخاصة في الإقرار:
? بضرورة اشتراك الشعب في الحكم وتبدل الشرائع حسب الأزمنة؛
? الإعمال بفكرة الأمة التي أخذها عن مونتسكيو: أي ضرورة توحيد الجماعة التي تعيش في حيز جغرافي واحد، وقد تشكل هذه النقطة تعميق البحث عن مفهوم المواطنة عند الطهطاوي ؛
? بأن محبة الوطن واجب وأساس الفضائل السياسية؛
? بأهمية التاريخ في التقدم الحضاري والإنساني؛
? بأن من واجب العلماء أن يفسروا الشريعة وأن يلائموا بينها وبين الواقع؛
? بضرورة تعرف المسلم إلى العلم ودراسته العلوم التي ولدها العقل البشري؛
? ببعث فكرة شراكة الحاكم والعلماء؛
? بأن أوروبا في نظره لا تشكل خطرا سياسيا لأنها تسعى وراء العلم والتقدم المادي، على الرغم من الخطر الخلقي الذي يرافقها والذي يشكل تهديدا للعرب؛
? بأن العقل في نظره يوصل إلى التمدن والمسلمين قادرين على بناء المدنية وهو ما لن يتم إلا بتبني العلوم الاوروبية ومدنيتهم؛
? بأن الصلات بين الشرق والغرب لم تنقطع أبدا، فقد ظلت حاضرة في تاريخ كلا الحضارتين.
 خامسا: راهنية التفكير في ثنائية الشرق والغرب
إن السؤال حول علاقة الغرب بالشرق اليوم، لهو سؤال المستقبل وإن تبدى وكأنه سؤال الحاضر. فالعلاقة بينهما هي علاقة لا تكافؤية، وكل أمة تتطور بفعل عاملين:
? داخلي: يتعلق بأحوالها وأوضاعها الداخلية، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا...
? خارجي: يتعلق بعلاقاتها بالأمم الأخرى، وبمستوى تطور البشرية عامة...
إن الفصل بين العوامل الداخلية والخارجية في تطور الأمم، لا يصح ومنطق التطور العام للبشرية، ذلك لأن أحوال الأمم تختلف باختلاف المؤهلات ومستوى الوعي الاجتماعي. ولا يمكن الحديث عن خط واحد للتطور تسلكه الأمم جميعا في تقدما. فصحيح أن أوضاع الشرق في القرن العشرين؛ النصف الأول منه على الأقل؛ شبيه بأوضاع الغرب في القرن التاسع عشر، لكن التغيرات العالمية الحاصلة بعد الحرب العالمية الثانية، وبشكل أشد مع مطلع الألفية الثالثة تدعو إلى التأمل. فالوضع العالمي مع مطلع الألفية لا يشبه بأي حال وضع العالم في عقد الثمانينات فما بالك بالنصف الأول من القرن 20؟ ولعل هذا الوضع العالمي يتميز:
على المستوى الاقتصادي: بتعزيز موقع الرأسمالية العالمية، واستحواذها المطلق على كافة قطاعات الانتاج الفكري والمادي، والخدمات والتجارة... فحدة التناقضات الطبقية تضاعفت أكثر بكثير مما يمكن أن يتصوره منظرو الرأسمالية قبل الحرب الكونية الثانية. فالاقتصاد العالمي نزع في مطلع الألفية منزع الليبرالية الجديدة وفق ثلاثة مبادئ: نزع التقنين، الخصخصة، التسليع الشامل...
على المستوى السياسي: بشمولية الحكم السياسي والقدرة على التحكم في التغيرات الحاصلة في أغلب البلدان: فالاستقرار السياسي لم يعد شأنا محليا بقدر ما هو شأن عالمي، وبتعميق النظام الاجتماعي المتواصل، وتعميق التبعية السياسية للدول الإمبريالية التي تقود العالم وتدعم بؤر التوتر ومناطق النزاعات للحفاظ على مصالحها ومواقعها.
على المستوى الاجتماعي: بتزايد التفاوتات، وتعميم البلترة Prolétarisation والتفقير، وضرب الطابع الاجتماعي للشغل، وانعدام الاستقرار الاجتماعي نتيجة التغييرات الناجمة م ن آثار العولمة، وضرب الحماية الاجتماعية وتراجعها، وتفشي الأمراض التي اعتقدت الرأسمالية أنها قضت عليها منذ عقود بل منذ قرون: الربو، الكوليرا، السل...
على المستوى الثقافي والفكري: نسجل التغييرات الحاصلة في الأمية وتفشيها بأغلب بلدان العالم، وتدهور الأوضاع الثقافية وانهيار القيم والمبادئ التي كانت بالأمس القريب مكسبا من المكتسبات. ولا في أن تسليع مجالات الثقافة، والسعي وراء الربح وإضفاء قيم السوق على قطاعات الثقافة والتعليم والتربية، تشكل ضربة موجعة للمستقبل الثقافي للشعوب. هذا على الرغم من التقدم الحاصل والظاهر على اللغات الأم وثقافات الشعوب الأصلية، والاهتمام الذي توليه بعض المنظمات بهذه القضايا وغيرها.
ولقد عززت الإمبريالية، بفعل العولمة، الصراع بين الثقافات والسعي نحو الهيمنة الثقافية بفضل تنامي الوسائط الإعلامية، فالنظر إلى حال اللغات المستعملة في الوسائل الإعلامية وهيمنة اللغة الانجليزية مثلا التي تستحوذ على معظم التداول اللغوي العالمي. وهنا تكمن في نظرنا قوة تفكير الشيخ الطهطاوي الذي تنبه في حديثه عن "مسيو جومار" إلى قوة القلم بدل السيف لما قال: " وشهرة معارف "مسيوجومار" وحسن تدبيره يوقع في نفس الإنسان من أول وهلة تفضيل القلم على السيف، لأنه يدبر بقلمه ما لا يدبر بسيفه ألف مرة، ولا عجب، فبالأقلام تساس الأقاليم، وهمته في مصالح العلوم سريعة...".
 على سبيل الختام:
إن العلاقة بين الشرق والغرب، لا تصح اليوم إلا بوصفها وصفا دقيقا يتجاوز الثنائية المفاهيمية التقليدية، فلا الشرق أصبح شرقا ولا الغرب أصبح غربا، بالمعنى المعتاد في كتابات النهضة. فاليوم لم تعد البلدان الشرقية أمام خيار: القديم والجديد، فكل شيء تغير أيما تغير وتبدلت الأحوال عما كانت عليه قبل نصف قرن، فتيار العولمة الجارف يحمل معه مدنية معكوسة، فما كان بالأمس تمدنا وعد تقدما صار اليوم نقمة على الغرب كما على الشرق.
إن السؤال ينبغي أن يصب حول طبيعة المجتمعات العربية ـ الإسلامية اليوم التي تعيش نمطا هجينا سياسيا واق واج وثقافي، فما هو براسمالي ولا بنمط ما قبل الرأسمالي، وحتى الأوصاف التي نحتها بعض منظري الماركسية قبل الألفية لم تعد صالحة، ونقصد اساسا (نمط الإنتاج الأسيوي)، كنمط إنتاج ما قبل رأسمالي لوصف حالة البلدان الهجينة. إننا أمام أنماط هجينة يختلط فيها الحابل بالنابل، فلا نحن أمام راسمالية واعية انتقلت انتقالا طبيعيا ومترافقا مع ظهور الطبقة الوسطى، ولا نحن أمام أنماط ما قبل رأسمالية واعية بذاتها ترتهن بنمو طبقة تدافع عن مصالحها المباشرة.
إن الشرق لم يعد شرقا واحدا، كما لم يكن شرقا واحدا، وحتى التمييز الذي أقامه برنارد لويس حينما تحدث عن المشارق بدل مشرق، لم يعد تمييزا دقيقا، فأمام مشروع الشرق الأوسط الكبير، أصبحنا نتحدث لا عن شرق، وإنما عن استراتيجية أمريكية جديدة ضبابية، هي التي ستحكم مصير هذا الشرق طوال النصف القرن الحالي، إن لم نقل أكثر بكثير من ذلك، وهاكم تحفظاتنا حول هذه التسمية وما نراه يستحق أن يأخذ بعين الاعتبار:
لما رسمت أمريكا مشروع الشرق الأوسط الكبير، إنما وضعت بحسبانها قضايا أساسية: العدوان في أفغانستان والعراق وفلسطين .
إن بؤر التوثر الثلات (كابول، بغداد، غزة) ليس هي بؤر التوثر الوحيدة في العالم، إن لم نقل أنها أضعفها.
إن هذا المشروع هو مشروع سياسي بالدرجة الأولى ففي الوقت الذي تشعر فيه الولايات المتحدة الأمريكية بالقوة المضادة القادمة من  هذه الرقعة الجغرافية (واساسا إيران) واحتمال استخدام القوة الأاسيوية المتنامية لها في صراعها ضد أمريكا، كما احتمال تحالفها مع أمريكا الجنوبية، يجعل كل هذا جعل المنطقة في الحسبان والاسراع إلى التفكير في المستقبل البعيد، وحجتها الرشيس في ذلك أن هذا المحور هو محور شر معللة ذلك بالعدو الوهمي "القاعدة" الذي لم يكن بالأمس إلا سليل أمريكا ولا يخدم إلا أهدافها السياسية المباشرة وغير المباشرة.
وما أحوجنا إلى إعادة النظر في ثنائية الأنا والآخر، وإلى البحث عن صياغة بديلة لمعضلة هذا الجزء من العالم الذي لا يزال يرزح تحت الآفات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. فالمشكلات التي كانت متنامية منذ ما يقرب من القرنين على رحلة الشيخ المتنور لا تزال عالقة، وهذا ما يبرر البحث عن انبعاث حضاري جديد، وهو ما ليس ممكنا إلا بالوعي بالمفارقة التاريخية وبتعمق التأخر التاريخي لهذا الجزء من العالم الذي ننتمي إليه جميعا.
إن تواصل نزعة نبذ الآخر وإقصاءه والابتعاد عنه لا تخدم أحوالنا في شيء. كما أن التماهي فيه والنظر إليه من موقع المتماثل لا تخدم أحوالنا في شيء. فالعلاقة بين الأنا والآخر علاقة مركبة وجدلية يصعب بأي حال اختزالها في مجرد علاقة بسيطة تقبل الحل الجاهز.
 ......................
هوامش
- بمعنى المفهوم concept  أي مجموع المعارف التي تراكمت حول تمثل الآخر.
- ونقصد أساس مبحث الاستشراق.
- كثيرا ما نستعمل مصطلح الإسلامية والمسيحية، وكأن الأمر يتعلق بصراع الأديان، في حين أن كتابات "الاستشراق" و"الاستغراب" (في اصطلاح حسن حنفي)، هي التي تضفي الطابع الديني على الصراع بين الغرب والشرق، فيما اصبح يصطلح عليه بعد حرب الخليج الأولى بصدام الأديان. إلا أن الأمر يتعلق بالنسبة لنا بصراع طبقي بين الدول الإمبريالية والدول "المتخلفة" أو الصاعدة اقتصاديا. ونكون ملزمين هنا بضرورة استحضار هذه الثنائية الدينية بالنظر إلى أن موضوعنا يفرض علينا لربط الإشكال بالسياق التاريخي الذي تبلور فيه، وليس من منطلق أن هذا الصراع هو ديني.
- إن الحديث عن الحداثة بمعني ومفهوم واحد، لا يتماشى والمعطيات الموضوعية ومنطق البحث، فالحداثة حداثات، تنطبع كل حداثة ببيئتها وشروطها.\
- يجب التنبيه هنا إلى أنه يعود الفضل للويس برنارد Lewis Bernard في الحديث عن المشارق بدل الشرق بمعناه الفضفاض حيث ميز بين: الشرق الأدنى، الأوسط، والأقصى. وقد أصبحت اليوم هذه التمييزات تحصيل حاصل.
- وفي هذا يقول محمد عابد الجابري: "وبالجملة لم تكن لكلمة "غرب" في المرجعية العربية ـ الإسلامية تعني في يوم من الأيام وجود "آخر" يقع بالتحديد خارج بلاد الإسلام، ولا دينا ولا حضارة تمثل "الآخر" بالنسبة للإسلام وإنما صارت هذه الكلمة تحمل بصورة ما هذه المعاني جميعها من خلال الترجمة من اللغات الأوروبية، وهكذا فاصطلاح "الغرب" Occident, West أي الدول الغربية، والشرق orient, est  بمعنى دول الشرق، هما معا ترجمة من اللغات الأوروبية التي ميزت في هذا الأخير بين الشرق الأدنى والشرق الأوسط والشرق الأقصى، وذلك حسب القرب والبعد عن أوروبا"، الجابري: "الغرب والإسلام: 1 – الأنا والآخر.... أو مسألة الغيرية"، مجلة فكر ونقد، العدد الثاني.
- وفي هذا يقول محمد عمارة: يعتبر "الطهطاوي أول عين عربية تأملت، في وعي عميق، ومن موقع المحب الناقد، حضارة الغرب الحديثة/ ممثلة في حضارة الفرنسيين". محمد عمارة، مقدمة الأعمال الكاملة للطهطاوي، الجزء الأول ص 93.
- مناهج الألباب، الباب الثالث، من الفصل الثالث.
- محمد عمارة نفس المرجع، ص 93.
- مناهج الألباب نفس المرجع.
- أنظر في هذا :
ـ البعثات العلمية في عصر محمد علي (1805 – 1849) واسماعيل (1863 – 1879)، في بحث قدمه عزت عامر، لندوة مجلة العربي: "الغرب بعيون عربية"، ونشر في الجزء الثاني من الكتاب العربي العدد 60.
- عمر طوسون: "البعثات العلمية في عهد محمد علي ثم في عهدي عباس الأول وسعيد"، مكتبة صلاح الدين بالاسكندرية. دون تاريخ وفيه معطيات هامة جدا وقيمة بخصوص البعثات، إن لم نقل أنه الاول من نوعه، وفي لائحة كاملة بأعضاء الرحلات ومهامهم والتكوينات التي تلقوها خلال تحصيلهم بالغرب، والمهام المنوطة بهم بعد عودتهم إلى مصر.
- استعنا هنا بدراسة الاستاذ شعيب حليفي: "الرحلة في الأدب العربي": الجنس، آليات الكتابة، خطاب المتخيل. دار القرويين الدار البيضاء، الطبعة الثانية، أبريل 2003، ونشير إلى أن هذا الكتاب لا يتحدث إطلاقا عن رحلة الطهطاوي، وكل ما استوحيناه من معطيات وتحليلات استعنا بها في هذه القراءة من اجتهادنا الخاص.
- د، سالم المعوش: "صورة الغرب في الرواية العربية"، مؤسسة الرحاب الحديثة، بيروت لبنان، الطبعة الأولى، 1998، ص 90.
- نفس المرجع ص 9.
- الأعمال الكاملة، ص 61.
- المقالة الأولى معنونة ب: "في السفر بحرا إلى مارسيليا"، والثانية: "في السفر من مارسيليا إلى باريس"، والرابعة: "في أحوال البعثة المصرية بباريس"، والخامسة: "في ثورة 1830 بباريس"، والسادسة والأخيرة: "في علوم الفرنسيس ومعارفهم"، والخاتمة معنونة ب :"في الرجوع إلى مصر".
- حسن حنفي: "جدل الأنا والآخر: دراسة في "تخليص الإبريز للطهطاوي"، من كتاب :"صورة الآخر العربي ناظرا ومنظورا إليه"، تحرير الطاهر لبيب، مركز دراسة الوحدة العربية والجمعية العربية لعلم الاجتماع، الطبعة الأولى، 1999.
- الأعمال الكاملة ص 79.
- Imagologie أو علم الصورة / الصورلوجيا الذي هو منهج في علم الأدب المقارن يهتم بالصور التي ينتجها أديب أو رحالة عن بلد أو عدة بلدان زارها وكتب عنها. ونقصد هنا الصور التي يضعها الرحالة أو الأديب دون أن تكون مطابقة بالضرورة للواقع، وإنما هي أحيانا نابعة من التمثلات السائدة.
- حليفي شعيب: "الرحلة في الأدب العربي"، مرجع سابق ص 180.
- فمما يلاحظ في هذا السياق هو أن الطهطاوي استعمل الكثير من العبارات العامية، وترجم بعض الكلمات الفرنسية إن لم نقل أنه استعربها، ولقد احتفظنا بها كما هي كلما تعلق الأمر بمقتطف من النص.
- كما جاء في دراسة حليفي شعيب وقد حاولنا قراءة هذا العمل بالنظر إلى هذا التقسيم، نفس المرجع، ص 182 – 186.
- الاعمال الكاملة، ص 71 .
- الاعمال الكاملة، ص 71 – 72.
- الطهطاوي الاعمال الكاملة، ص 255.
- الأعمال الكاملة ص 255.
- الأعمال الكاملة ص 256.
- الطاهر لبيب: "صورة الآخر العربي ناظرا ومنظورا إليه"، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى، 1999، المقدمة.
- يعكس هذا الرأي موقف الطاهر لبيب ردا على أطروحة الجابري.
- الطهطاوي، الاعمال الكاملة، تحقيق محمد عمارة الجزء الثاني ص 15.
- الاعمال الكاملة الجزء الثاني، ص 16.
- نوردها بالترتيب الوارد لدى الطهطاوي في الأعمال الكاملة الجزء الثاني ص 21 – 22 وقد اكتفينا بذكر اسم العلم أو الفن دون تفصيل تفرعاته وهي: 1 - علم تدبير الأمور الملكية...2 - علم تدبير العسكرية... 3 - علم القبطانية والأمور البحرية... 4 - فن معرفة المشي في مصالح الدول، اي علم السفارة... 5 - فن المياه وهو صناعة القناطر والجسور والأرصفة.... 6 - علم الميكانيقا وهي آلات الهندسة وجرّ الأثقال... 7 - هندسة المعادن.
8 - فن الرمي بالمدافع... 9 - فن سبك المعادن. لصناع المدافع والأسلحة... 10 - علم الكيمياء وصناعة الورق... 11 - فن الطب وفروعه فن التشريح والجراحة وتدبير الصحة... 12 - علم الفلاحة... 13 - تاريخ الطبيعيات... 14 - صناعة النقاشة وفن الطباعة... 15 - فن الترجمة...
- الأعمال الكاملة ص 23.
- الاعمال الكاملة ص 32.
- الأعمال الكاملة ص 23.
- الأعمال الكاملة ص 64.
- الأعمال الكاملة، ص 75، الجزء الثاني.
- الأعمال الكاملة ص 75.
- الأعمال الكاملة، م ن، ص 75.
- الاعمال الكاملة، م ن، ص 76.
- الاعمال الكاملة 79.
- الاعمال ص 78.
- الاعمال، ص 79.
- الاعمال الكاملة، ص 79.
- الأعمال الكاملة ص 161 – 162.
- الأعمال الكاملة الجزء الثاني ص 17 – 16 .
- نفس المرجع ص 17.
- الأعمال الكاملة، ص 187.
- الأعمال الكاملة ص 107.
- الأعمال الكاملة ص 129.
- ن م ص 162.
- الاعمال الكاملة الجزء الثاني ص 17 – 16 .
- نتحفظ أيما تحفظ على وصف أمين للطبقة الوسطى التي يعتبرها متنامية في مصر نتيجة التغير الحاصل مع إصلاحات محمد علي. فالبنية التحتية التي تعيشها مصر اليوم كما هو حال جل البلدان/ بنية مهترئة أيما اهتراء. والطبقة الوسطى منزوعة السلاح ماديا وفكريا، فلا أدوات سياسية لديها ولا أوضاعها مستقرة.
-نقول العدوان بدلا من الحرب، لأن الوضع ليس وضع حرب، فالحرب لها قواعد ومبادئ بين قوتين عسكريتين، في حين أن في العراق وفلسطين حرب عسكرية يشنها طرف مدجج بكل أنواع السلاح ضد مواطنين وليس ضد قوة عسكرية.
.........................
لائحة المصادر و المراجع:
1. رافع رفاعة الطهطاوي: الأعمال الكاملة، تحقيق محمد عمارة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1973.
2. محمود فهمي حجازي: "أصول الفكر العربي الحديث عند الطهطاوي"، مع النص الكامل لتخليص الإبريز، دار الفكر العربي، القاهرة، د ت.
3. محمد عمارة: "رفاعة الطهطاوي: رائد التنوير في العصر الحديث"، دار الشروق، الطبعة الثالثة، 2007.
4. حسن حنفي: "جدل الأنا والآخر: دراسة في "تخليص الإبريز للطهطاوي"، من كتاب: "صورة الآخر العربي ناظرا ومنظورا إليه"، تحرير الطاهر لبيب، مركز دراسات الوحدة العربية والجمعية العربية لعلم الاجتماع، الطبعة الأولى، 1999.
5. برنارد لويسBernard Lewis : "الغرب والشرق الأوسط"، ترجمة الدكتور نبيل صبحي، دون ذكر دار النشر ومكان وتاريخ النشر.
6. عبد الإله، بلقزيز: "العرب والحداثة": دراسات في مقالات الحداثيين"، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الأولى، 2007.
7. محمد عابد، الجابري: "إشكاليات الفكر العربي المعاصر"، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الخامسة، 2005.
8. كمال عبد اللطيف: "سلامة موسى وإشكالية النهضة"، دار الفارابي، بيروت، 1982، الطبعة الأولى.
9. عزت عامر: "البعثات العلمية في عصري محمد علي (1805 – 1849) وإسماعيل (1863 – 1879)"، بحث مقدم إلى ندوة مجلة العربي: "الغرب بعيون عربية"، إعداد: عزت عامر، ونشر في الجزء الثاني من الكتاب العربي 60.
10. عمر طوسون: "البعثات العلمية في عهد محمد علي ثم في عهدي عباس الأول وسعيد"، مكتبة صلاح الدين بالاسكندرية. دون تاريخ.
11. محمد عابد الجابري: "الغرب والإسلام: 1 – الأنا والآخر... أو مسألة الغيرية"، مجلة فكر ونقد، العدد الثاني.
12. د، سالم المعوش: "صورة الغرب في الرواية العربية"، مؤسسة الرحاب الحديثة، بيروت لبنان، الطبعة الأولى، 1998.
13. شعيب حليفي: "الرحلة في الأدب العربي": الجنس، آليات الكتابة، خطاب المتخيل. دار القرويين الدار البيضاء، الطبعة الثانية، أبريل 2003.
14. جلال أمين: "الشرق العربي والغرب"، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1980، الطبعة الثانية.
15. عبد الله العروي: "الإيديولوجية العربية المعاصرة"، دار الحقيقة، بيروت، ترجمة محمد عيتاني، الطبعة الثالثة، 1979.
16. د، ناجي نجيب: "الرحلة إلى الغرب والرحلة إلى الشرق"، دار الكلمة للنشر، بيروت، 1981.
17. عبد الإله بلقزيز: "الآخر والأنا في الوعي العربي المعاصر"، التسامح (مسقط)، مج 5، ع 18، ص 63 – 77.
ملاحظة:
كتب هذا النص في مارس 2009 ليلقى في ندوة كانت تنوي كلية الآداب والعلوم الإنسانية أن تنظمها حول صورة الآخر في الوعي العربي. ونظرا لظروف عدة لم ترى هذه الندوة النور إلى اليوم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق