الجمعة، 17 فبراير 2017

الاستخدام العمومي للعقل: هل تسمح دولنا باستخدام عمومي حر للعقل؟


كثيرة هي الحالات التي تعرضت في مجتمعاتنا للمحاكمة والقتل والنفي بسبب غياب حريَّة التعبير والتفكير، فرغم وجود مؤسسات قانونيَّة ودور العدالة فإن أغلب الأنظمة السيَّاسيَّة لجأت إلى الحد من حريَّة الاستعمال العمومي للعقل، ويتم التعامل مع العقول الحرة والأقلام الجريئة بالزجر والسجن والتعذيب، ويكفي الاطلاع على تقارير المنظمات الحقوقية وجمعيات الصحفيين والكتاب ليتبين لك حجم المضايقات التي يتعرض لها باستمرار قسط هام من النخب. هذا ناهيك عن مقص الرقابة التي تعمدت أجهزة هذه الدول إلى استعماله في مختلف مجالات انتاج الثقافة: الصحافة، القنوات الإعلاميَّة، الأفلام السينمائيَّة، الصُحف، الكتب... فالأنظمة السيَّاسيَّة تتحكم بشكل شبه كلي في وسائل الإعلام الرسميَّة، وغير الرسميَّة، عبر التمويل المباشر لها مقابل تلميع صورة الزعيم والحاكم. هكذا يمكن أن نميز بين نوعين من قمع حريَّة التعبير والرأي:

·                  القمع الممنهج الذي تمارسه الدولة ضد معارضيها السيَّاسيين كيفما كان توجههم السيَّاسي أو خطهم الايديولوجي.
·                  قمع الإسلام السيَّاسي للأقلام الحرة والعلمانيَّة والحداثيَّة بدعاوي مختلفة: التكفير، الردة، تحريف النص القرآني، الإساءة للدِّين والرسول... وفي أحيان كثيرة يُمارس التيَّار المحافظ داخل مؤسسات الدولة رقابة على المثقفين، كما هو حال نصر حامد أبو زيد، بالإضافة إلى تورط بعض تيارات الإسلام السيَّاسي في سلسلة الاغتيالات التي تعرض لها: مهدي عامل، فرج فودة، شكري بلعيد، عمر بنجلون، محمد أيت الجيد بنعيسى ومؤخرا الأردني: ناهض حتر. ولا تزال توجد قائمة هامة ممن يتعرضون للازدراء والحملات التشهيريَّة المتواصلة: سلمان رشدي، أحمد عصيد، موليم العروسي وكنزة بنجلون، سعيد ناشيد، علياء المهدي، نوال السعداوي...
تلتقي تيارات الإسلام السيَّاسي المتشددة مع الأنظمة السيَّاسيَّة في سلطة القمع التي تهدف إلى خرس الأصوات وإسكات الضمائر الحيَّة التي تفضح الاستبداد الدِّيني والسيَّاسي معاً. وتسلَّل هذا القمع - في تحالف بين الأنظمة السيَّاسيَّة وبعض الأحزاب الإسلاموية – إلى الوسائل السمعيَّة البصريَّة بعد الانتشار الواسع للفضائيَّات المواليَّة للحُكام وللأصوليين، وصارت الإهانة والتشهير عموميَّة، غير أن ذلك لم يحد من تشبث النُّخبة المثقفة العلمانيَّة والحداثيَّة بمواقفها ولم تتنازل يوماً عن أفكارها رغم حجم تلك الحملات، بل وسارعت بعض الأقلام إلى الدفاع عن النفس في حملات مُضادة حتى في الإعلام العمومي، ولعل الحالة الفاقِعة ظهرت في تونس حينما تم الهجوم مباشرة على محمد الطالبي في حوار مباشر مع بعض أشبه مثقفي النهضة، غير أن هذا الرجل الصامد لعقود تشبث بحقه في الكلام واحتج على الهواء بالتصفيق. تداولت الشبكات الاجتماعيَّة ووسائل الاعلام مقطع الفيديو الذي يؤرخ لاحتجاج المؤرخ محمد الطالبي بكثرة ويمكن اعتباره حدثا تاريخياً غير مسبوق في علاقة النُّخبة بالنِّظام السيَّاسي وبوسائل الإعلام مسجلاً بذلك موقفاً غير منظور في تاريخ المغارب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق