الأحد، 19 مارس 2017

النخب الإسلاموية الحاكمة اليوم في المغرب امتداد للشبيبة الإسلامية

حوار مع جريدة آخر ساعة - نص الحوار كاملا
أنجزه أحمد دابا

+ كيف تقيم الصراع القديم الذي كان قائما بين التيارات اليسارية وكتائب الشبيبة الإسلامية فور تأسيسها على يد عبد الكريم مطيع؟ وعلى أي أساس كان هذا الصراع قائما وقتها (من أواخر الستينيات إلى نهاية السبعينيات)؟
هناك العديد من التأويلات، ورغم أن الأمر يتعلق بالتاريخ السياسي لمرحلة معينة، فإن تورط مطيع في اغتيال بنجلون بات من حكم المؤكد حتى من الناحية القانونيَّة بعد أن صُدر في حقه الحكم بالإعدام، وهذا ما جعل اليسار يخوض نضالاً مريراً ضد تيارات الإسلام السيَّاسي التي تبنت خيار العنف ضد الخصوم اليساريِّين، ورغم أن اليسار قد تبنى في تلك المرحلة التي أشرت إليها الخيار الثوري وخاض صراعاً مُسلَّحاً في مراحل معينة قبلها مع النِّظام السيَّاسي، إلا أنه لم يمارس العنف ضد خصومه الإسلاميين.

هناك تأويل شهير لا أستطيع إثباته من عدمه ولكن يبدو أقرب إلى الصواب لأنه اعتراف من أحد أعمدة الاستخبارات آنذاك، ويتعلق الأمر بتأويل أحمد البخاري في "اعترافاته": "والحكاية (أي اغتيال عمر بن جلون) ابتدأت في نهاية الستينات حين أصبحنا نتأكد أن عمر بن جلون زعيم المستقبل، وكان يليه محمد اليازغي فهذان القائدان كانا في قمة عطائهما آنذاك، كانا حيويين وقويين، لهذا راقبناهما بقوة بل وضعت أجهزة تنصت خاصة ضد عمر بن جلون وصادف أن بدأت تظهر ابتداء من 68 / 69 تيارات أصولية، كان الإسم البارز بينهم مخبرين، بعد مدة ستتوطد العلاقة عبر قنوات، مع مطيع نفسه... ولقد حاول العشعاشي وصاكا (ضابطين في المخابرات) توريط عمر بن جلون في العمليَّات العنيفة المحسوبة على الاتحاديِّين... ذلك في ملفات 1969 و 1970 (محاكمة مراكش الكبرى) و 1973 (أحداث 3 مارس 1973) وهي أحداث معروفة، وحاول جهاز "الكاب 1" أحد أجهزة الاستخبارات فتح قناة مع  عمر لكن دون فائدة ورغم محاولات التوريط، بقي بن جلون هو هو وملامحه كقائد وزعيم مثل المهدي بنبركة كانت واضحة وقوية لهذا اتخذ قرار تصفيته". (عن جريدة الاتحاد الاشتراكي عدد 6572 بتاريخ 8 غشت 2001)، كما أن تصريح ابراهيم كمال في جريدة الصباح 2004 تسير في نفس الاتجاه حيث يؤكد أنه كانت هناك محاولات جارية لتوريط الشبيبة في بعض الأحداث العنيفة قبل أن يفطنوا بذلك. وليس بعيداً أن الاستخبارات قد تمكنت بعد اغتيال بن جلون من تصفية هذا الزعيم المستقبلي، من جهة، ومن توريط الشبيبة الإسلاميَّة في أعمال عنف قد تجني على مستقبلها، من جهة أخرى، والحقيقة أن تباين المواقف من طرف قياديي الشبيبة الاسلاميَّة دليل على عمق النقاش حول صلة مطيع أو بعض اخوانه في انجاز مخطط استخباراتي.
ستتعزز ثقافة العنف في الجامعات المغربية في نهاية الثمانينات وسيتورط الإسلامويين مجدداً في اغتيال الشهيد محمد أيت الجيد بنعيسى يوم 25 فبراير سنة 1993، ولا تزال عائلة الشهيد تصر على محاكمة المتورطين ومنهم قياديين في حزب العدالة والتنمية حالياً، تلته ممارسات عنيفة من قبل الإسلامويين دائماً في محطات طلابيَّة وازنة لليسار، كان أبرزها أحداث الهجوم على الجامعة الربيعيَّة التي نظمها الاتحاد الاشتراكي في جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء سنة 1996. وبروز العنف سيجتاح الجامعة منذ تلك الفترة بشكل حاد وغير منظور، وللأـسف، فقد تشربت العديد من الفصائل اليساريَّة ثقافة العنف كوسيلة أساسيَّة وضروريَّة لتصفيَّة الحِسابَات السيَّاسيَّة أو فرض رُؤىً معيَّنة أو مواقف بِعينِها، والجميع تتبع ما يقع في الساحة الجامعيَّة وخارجها من أحداث عنف لا يمكن بأي حال تبريرها أو الدفاع عنها، من جهة أن اللُّجوء إلى العنف لا يدل على القوة، وإنما على ضعف من يلجأ إليه كوسيلة لربما للحفاظ على البقاء، أو على الظفر بالزعامة.
+ يرى كثير من المحللين أن الشبيبة الإسلامية كانت مرتبطة ارتباطا وثيقا بحركة الإخوان المسلمين في مصر، لكن فور ضلوعها في اغتيال الشهيد عمر بنجلون، وتعرضها لضربة أمنية صارمة، تفرع عنها جماعات وتيارات أخرى، بعضها معتدل وأخرى متطرفة..  في نظرك، كيف أخذت هذه الشبيبة تتبنى العنف، قبل أن يتشرب التيارات المتفرعة عنها جرعات من هذا العنف؟
لا شك في أن السيَّاق الذي ظهرت فيه حركة الشبيبة الإسلاميَّة 1969، هو سياق دولي وإقليمي خاص، ورغم أن حركة إخوان المسلمين ظهرت في العقد الثاني من القرن العشرين فإن انضمام التنظيمات التي تفرعت عن الشبيبة إلى حركة الاخوان الدوليَّة وليس المصريَّة لوحدها هو من باب تحصيل الحاصل، غير أن خدمة هذا التيار أو هذا التنظيم أو ذاك لأجندة حركة الإخوان العالميَّة تبقى نسبيَّة بحكم الظروف المغربيَّة، رغم بعض المُؤشرات التي تطفح في تحليلات وأخبار منتشرة بكثرة في السنوات الأخيرة بفضل الإعلام الإلكتروني. والأهم في نظرنا ليس هو تباين مواقف مكونات الحركة الإسلامويَّة بين متطرف ومتعدل، وإنما السؤال هو أعمق من هذا: بماذا تطالب هذه الحركات في نهاية المطاف؟ هل لا يزال شعار "الاسلام هو الحل" هو مبتغاها ومسعاها الأخير؟ أم أنها تحولت إلى تيارات وجماعات لخدمة أجندة خارجيَّة؟
في نظري مشروع "الإسلام هو الحل؟" هو مشروع فاشل لأنه لا يستجيب لحاجيَّات الحياة المعاصرة ولا لمنطق سير التاريخ، وقد تكون ظاهرة عودة التدين بالشكل الذي يتم تسويقها حاليا في المغرب وفي غيره من البلدان مجرد رد فعل على صدمة العولمة، وسؤال الهوية. لذا فإن النقاش حول أي مغرب نريد وحده الكفيل بالإجابة عن جملة التحديَّات التي تواجهنا كما تواجه العالم ككل: فالسلطة توسعت أكثر بكثير مِمَّا سبق وصارت عالميَّة وتُدُولِّت وتوجهها قوى دوليَّة وشبكات عالميَّة قويَّة ومدعمة بمصالح الشركات متعددة الجنسيَّات، في حين أن السيَّاسة صارت ضيِّقة أكثر فأكثر، فلنوسِّع دائرة التفكير كثيراً: هل لا تزال للدول الوطنيَّة كامِل سيَّادتِها في عالم ما بعد الدولة – الأمة، ولهذا أعتقد أن الفعل السيَّاسي في المغرب اليوم هو فعل ضعيف للغاية ولا يستحضر بتاتاً النقاش المعرفي والفكري والنَّظرِي الذي يواكب مستجدات حركيَّة الكوكب الأزرق، بل وبصريح العبارة فإن وضعنا المغربي اليوم هو وضع ما قبل سياسي بما في الكلمة من معنى.
+ هل النخبة الحاكمة الآن في نظرك مدينة للشبيبة الإسلامية في ما وصلت إليه اليوم؟
تاريخيّاً تعتبر هاته القيَّادات والنُّخب امتداداً لمسار الشبيبة الإسلاميَّة ولا شك في ذلك، رغم تبرؤ العديد منهم من زعيمهم مطيع، غير أنه لا ينبغي نِسيان أن ما وصلت إليه النُّخب الحاكِمة اليوم، ليس من صُنع الشبيبة، وإنما هو تظافر لجهود أنصار وتلامذة الشبيبة والتي شملت مختلف المجالات التربويَّة والقِيميَّة والأعمال الخيريَّة والإحسانيَّة... فحركة "التوحيد والاصلاح" التي رأت النور سنة 96، إنما هي تكتل لحركة "الاصلاح والتجديد" و"رابطة المستقبل الاسلامي"، وهي السنة التي تأسس فيها العمل الدعوي العام والعمل السياسي الحزبي من خلال الإندماج مع حزب عبد الكبير الخطيب "الحركة الشعبية الدستوريَّة الديمقراطيَّة"، لتأسيس حزب "العدالة والتنمية". وبالمناسبة ف "رابطة المستقبل الاسلامي" تأسست في 4 أبريل 1994 وهي تكتل لثلاث جماعات: "جماعة الدعوة" في فاس (تأسست 1976)، و"الجمعيَّة الاسلاميَّة" في القصر الكبير بزعامة الريسوني (تأسست أيضا منذ 1976)؛ و"جماعة الشروق الاسلامية" (تأسست في الرباط وتضم حركة التبين).
كانت هناك مبادرات سيَّاسيَّة عديدة من طرف جمعيَّات إسلاميَّة تنحدر تاريخيّاً من الحركة الأم (الشبيبة)، ولا يمثل العدالة والتنمية وجناحها الدعوي إلا الجزء الضعيف منها، في حين أن البديل الحضاري وحزب الأمة وبعض قيادات العدل والاحسان مدينون لتاريخهم مع الشبيبة، ناهيك عن تيارات السلفية الجهاديَّة التي تفرَّخت بكثير أكثر مما مضى رغم التحاق بعض قياداتها وشيوخها بالعمل السيَّاسي العلني.
+ ما هي تجليات فكر الشبيبة الإسلامية على بعض التنظيمات الإسلامية النشيطة في المغرب الآن؟
لست على يقين فيما اذا كانت بعض تيارات السلفيَّة الرجعيَّة العنيفة اليوم في المغرب على صلة بالتنظيم الأم "الشبيبة الإسلاميَّة"، لكن التحول الخطير هو أن تناسل ثقافة العنف باسم الدين والاستغلال السيَّاسي للدين قد بلغ أوجه ولم يقتصر على المس بالدولة والمؤسسات بل اخترق السُّلطة الاجتماعيَّة ككل: ففتاوي التكفير والتشهير بالخصوم السيَّاسيين والايديولوجيين واطلاق أوصاف ونعوتات في الفضاء العمومي وعلى وسائل الإعلام كما فعل بعض شيوخ السلفيَّة أمر ينذر بكارثة حقيقيَّة، لأن تجار الدِّين لا يؤمنون بالحوار والاختلاف وتدبيره بالنِّقاش المبني. كما أن المُطالبة بتطبيق حد الرِّدة والضغط على السيَّاسيِّين للتراجع عن بعض القوانين "العلمانيَّة" (الوضعيَّة) التي لا تستند على القانون الإلهي في قضايا اجتماعيَّة محضة من قبيل الأسرة والقانون الجنائي وفي مجال الحريات الفرديَّة لهو نكسة حقيقة ستكون له نتائج سلبيَّة على التنشِئة وعلى المجتمع ككل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق