السبت، 25 مارس 2017

الإخوان الجدد في المغرب


من الصعوبة اختزال تاريخ حزب سياسي ما في بعض التواريخ والمحطات التي مر منها بغض النظر عن صراعاته ونقاشاته الداخلية من الناحية السياسية او من الناحية الايديولوجية، لذا سنعمل على بيان أهم ما طبع تاريخ حزب العدالة والتنمية: يستمد هذا الحزب شرعيته من الشبيبة الاسلامية باعتباره الابن الشرعي لهذه الحركة - الأم التي تنحدر منها مختلف تيارات الاسلام السياسي المغربية:
تأسست الشبيبة الاسلامية من طرف عبد الكريم مطيع (المتورط في اغتيال عمر بنجلون بتاريخ 18 دجنبر 1975) سنة 1969، وذلك في سياق دولي واقليمي خاص طبعه: هزيمة 1967، الثورة الثقافية الصينية، ربيع براغ، ثورة ماي 68 الفرنسية، وسيعقبه انتصار الثورة الايرانية بقيادة الخميني 1979 والجهاد الافغاني 80 – 81.

سنة 1972 تم ايداع ملف الشبيبة التأسيسي لدى سلطات الدار البيضاء معلنة أن هدفها العام يتمثل : "المساهمة في البناء الاجتماعي ونشر الاخلاق الكريمة وحث المواطنين والمواطنات على الخير والفضيلة والصلاح بواسطة تطبيق نهج الله الذي هو الاسلام"، ومؤكدة أن أداتها الرئيسة هي: "اعادة التربية وتنشيط التربية الاسلامية ومحاربة الامية واقامة المخيمات الصيفية ومراكز الهواء الطلق..."، غير أنها في الحقيقة تعمل بمبدأ: علانية الدعوة وسرية التنظيم.
مع اغتيال عمر بنجلون ينتهي مد الشبيبة، حيث ستعرف جمودا مرحليا مع النقاش الذي كان يدور داخل قياداتها وقواعدها جراء تعميم خبر تورطها في الاغتيال، وفي شتنبر 1980، بعد صدور الحكم بالإعدام على مطيع الذي غادر البلاد الى الخليج، ستبادر العديد من القيادات خارج القيادة السداسية الى تأسيس جمعيات اسلامية.
بعد احداث ابريل 1984 حمَّل الحسن الثاني مسؤوليتها للتيارات الاسلامية ولليسار الجديد وافضت إلى اعتقالات سياسية منها محاكمة عبد السلام ياسين والمجموعة 26 الماركسية اللينينية ومحاكمة مجموعة 71 في 31 دجنبر 84، أعقبته احداث اخرى هامة منها حضر العدل والاحسان في 10 يناير 1990 واعتقال مجلس الارشاد بعد الحكم على عبد السلام ياسين بسنتين نافذين سنة 1984 وفرض الإقامة الجبرية عليه ما بين 30 دجنبر 1989 إلى 15 ماي 2000.
لحزب العدالة والتنمية تاريخ لا ينكره احده وتاريخه السياسي والشرعي يبدأ منذ محاولة بناء حزب التجديد الوطني سنة 1992 وحزب الوحدة والتنمية في نفس السنة، فلنكشف اذن عن نشأة ومسار وتحولات هذا الحزب منذ الحلقات الأولى داخل جمعية الجماعة الاسلامية؟
تأسست جمعية الجماعة الاسلامية سنة 1981 بفضل النقاش الذي دشنه ما تبقى من قيادات الشبيبة الاسلامية وخاصة في شتنبر 80 وتباينت المواقف الى ثلاث: موقف انحاز للقيادة السداسية وسيتلاشى بعد التحاق البعض منهم بالعدل والاحسان؛ موقف جماعة التيبن والتي ستعرف بجمعية "الشروق الاسلامية" بغرض تبين الحقيقة من الاتهامات المتبادلة بين الشبيبيين أنصار ومطيع والآخرون؛ موقف ثالث هو الذي سيبلور تأسيس جمعية الجماعة الاسلامية التي يقودها بن كيران والذي تبرأ من مطيع بعد ان اصدر هذا الاخير انتقادات لاذعة للنظام السياسي في جريدة المجاهد (صدر اول عدد لها في مارس 1981) وذلك عقب الحكم عليه بالإعدام.
قدم بنكيران ملفه القانوني للجمعية سنة 1983 لتأسيس "الجماعة الاسلامية"، ولم يتلقى أي جواب لا بالنفي ولا بالايجاب بل تلاه اعتقال مجموعة مكناس 18 عضو الذين قضوا سنة في مخافر الشرطة دون محاكمة، وقد راسل بن كيران الديوان الملف في شان ملف الجماعة الاسلامية بتاريخ 29 نونبر 85 ووزارة الداخلية بتاريخ 17 مارس 86 دون جدوى، لذلك مارست "الجماعة" نشاطها في العديد من المدن: فاس، طنجة، تزنيت، البيضاء، مكناس... واصرت جريدة "الاصلاح" العدد الاول في 20 فبراير 1987.
هكذا اعتبر المهتمون بشؤون حركات الاسلام السياسي في المغرب أن حركة الإصلاح والتجديد مشروع يعود الى بداية الثمانينات بحيث تعاقب على رئاستها على التوالي: محمد يتيم (81 – 85) وبن كيران (85 – 94)، ويتيم مجددا (94 – 96).
أما حركة "التوحيد والاصلاح" التي رأت النور سنة 96، فهي تكتل لحركة "الاصلاح والتجديد" و"رابطة المستقبل الاسلامي"، وهي السنة التي تأسس فيها العمل الدعوي العام والعمل السياسي الحزبي من خلال الاندماج مع حزب عبد الكبير الخطيب "الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية"، لتأسيس حزب "العدالة والتنمية". وبالمناسبة ف "رابطة المستقبل الاسلامي" تأسست في 4 أبريل 1994 وهي تكتل لثلاث جماعات: "جماعة الدعوة" في فاس (تأسست 1976)، و"الجمعية الاسلامية" في القصر الكبير بزعامة الريسوني (تأسست أيضا منذ 1976)؛ و"جماعة الشروق الاسلامية" (تأسست في الرباط وتضم حركة التبين).
بعد عملية الاندماج انطلقت حركة التوحيد والاصلاح في تجديد مبادئها السابقة، وبعد المرحلة الانتقالية التي ما بين 96 – 98 نظمت الحركة الجمع العام الوطني الاول 6-7-8 نونبر 1998 توج بانتخاب الريسوني رئيسا لها. وهو الدمج الذي شمل أيضا الى جانب الدمج التنظيمي، دمجا اعلاميا باصدار جريدة التجديد (حيث اتحدت جريدة "الصحوة": منبر رابطة المستقبل الاسلامي، وجريدة "الراية": منبر حركة الاصلاح والتجديد)
أما الجمع العام الوطني الثاني فقد انعقد في 13/14/15 دجنبر 2002 علنيا احتضنت قاعة سومية جلسته الافتتاحية وأشغاله العادية في مجمع مولاي رشيد للطفولة والشباب ببوزنيقة، وانتخب الريسوني مجدداً، ولكنه لم يكمل ولايته وقدم استقالته يوم 11 يونيو 2003 لانتقاده إمارة المؤمنين في جريدة أوجوردوي لوماروك عدد يوم 12 ماي 2003. بعدها تولى الرئاسة نائبه محمد الحمداوي إلى أن انتخب في الجمع الوطني الاستثنائي يوم 19 اكتوبر 2003. وإلى هذه اللحظة مثل بن كيران الذراع السياسي للحركة، والريسوني ذراعها الشرعي، ويتيم ذراعها الفكري.
طرح في الجمع العام الثاني نقاش حقيقي حول الدراع الدعوي والسياسي للحزب، وبقي الى حدود اليوم حاضرا، غير أن دخول الحزب الى العملية الانتخابية لم تكن وليدة اليوم بحيث كانت أول دعوة للمشاركة في الانتخابات تعود محطة 1989، من خلال دعوت أنصارها وأعضائها الى التصويت على المرشحين الذين يدعمون افكارنا الدعوية او المخلصين في عملهم دون الترشح الى الانتخابات. وهي نفس الدعوة التي تجددت سنة 1992 رغم منع تأسيس حزب التجديد الوطني وحزب الوحدة والتنمية في نفس السنة. سنتين بعدها ستدخل الحركة الى الانتخابات وتفوز بمقعدين في البرلمان إبان الانتخابات البرلمانية الجزئية تحت غطاء احزاب أخرى. وفي سنة 1997 ترشحوا للانتخابات الجماعية باسم المستقلين واللامنتمين.
بعد موجة الربيع الديمقراطي، تنكر هذا الحزب الى حركة 20 فبراير ودعا أنصاره ومنخرطيه الى عدم الانخراط في الحراك الفبرايري، باستثناء بعض اعضاء فصيله الطلابي (خاصة في الدار البيضاء)، وقد كانت الإشارة السياسية واضحة للغاية، هكذا تجندوا لاستغلال هذه المحطة التاريخية للوصول إلى الحكومة من خلال حشدهم الشعبي لخوض الانتخابات البرلمانية.
فور فوز حزب العدالة والتنمية برئاسة الحكومة، تنكر الأمين العام (ورئيس الحكومة) لروح حركة 20 فبراير، وأخرج وصفته الغريبة: "عفا الله عما سلف" في إشارة الى محاربة الفساد والاستبداد، غير أن هذه الوصفة لم تكلف النظام السياسي أي التزام تجاه المغاربة وحركاته المقاومة.
يمثل هذا الشعار في نظرنا استغلالا للدين في شؤون السياسة والبشر، فمحاربة الفساد والاستبداد كان من الممكن اعلانه بعد صراع سياسي واجتماعي مرير لانتزاع مكاسب جديدة في خدمة المواطنين، كما يمكن اعتباره تبريرا دينيا لمشكلة وضعية تتعلق بتدبير شؤون الناس، مما يعني عمليا الاستسلام الكلي لضغط المخزن والنظام السياسي، وهو ما يفسره أيضا نهج سياسة تقشفية مدمرة للقطاعات الاجتماعية وللخدمات العمومية على وجه الاجمال بعد أن أقرت الحكومة سلسلة مخططات وقوانين تراجعية كان وقعها جليا في قوت المغاربة: ارتفاع الاسعار، زيادة حجم المديونية الخارجية، الهجوم على صناديق التقاعد واقرار قانون جديد يثقل كاهل الموظفين، مراسيم تتعلق بالوظيفة العمومية للاجهاز على الحق في الشغل القار، تدهور وضعية التعليم والصحة، تحرير أسعار النفط، ورفع الدعم عن المواد الاساسية، مراجعة القانون الجنائي...
كانت حصيلة حكومة بنكيران كارثية بالمقارنة مع الحكومة السابقة على مختلف الأصعدة، ومرد ذلك الى تشبث "تجار الدين بالكراسي" بأي ثمن كان، لأن التحول من حركة دعوية إلى حزب سياسي لا يعكس تغير المنظور عند أطر وقياديي الحزب، لأن الشعارات الدينية لن تفيدهم في شيء إلا في التوجه نحو أخونة المجتمع والدولة معا، ناهيك عن الارتباط المباشر بأجندة خارجية صرفة. فممارسة الاخوان الجدد / القدامى هي ممارسة قبل سياسية تطبعها العشوائية والارتجالية الفجة، وتمييع الخطاب السياسي والسماح لظهور خطاب شعبوي مزيف لغرض كسب التأييد الشعبي.
كوة couua


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق