المعانيد الشرقي: أستاذ فلسفة / المغرب
تعني
الممارسة - بالمعنى العام - جملة الأشكال المختلفة من النشاط الحسي الشيئي للإنسان
بهدف تغيير العالم الخارجي المادي و تغيير الطبيعة و المجتمع. و بهذا المعنى تنطوي
الممارسة ( النشاط العملي ) على النشاط الإنتاجي المادي و النشاط الثوري الهادف إلى
تغيير العلاقات على مستوى الفرد و على مستوى المجتمع تغييرا فعليا و بالتالي تغيير
المجتمع،
كما يدخل في صميم الممارسة صراع المنظومتين العالميتين، الاشتراكية و الرأسمالية،
و العملية الثورية العالمية. أي أن الممارسة توجه مباشرة نحو العالم المحيط ( العالم
الطبيعي و العالم الاجتماعي ) في حين تتجه النظرية ( النشاط النظري ) مع موضوعات مثالية
( معارف، نظريات، أفكار... ) و إدراج معيار الممارسة في نظرية المعرفة يفترض وحدة عدد
من من الجوانب: ففي إطار المادية التاريخية: مبحث الإنتاج و القول بأهمية النشاط المادي
و العلاقات المادية و الممارسة الثورية...
و
في إطار النظرية الفلسفية في الإنسان: ماهيته، و القول بدور العمل في صيرورة الإنسان
و تطوره...
و في إطار المادية ا لدياليكتيكية: ماهية
النشاط البشري، و استنتاجات نظرية و منهجية ضرورية لفهم العلاقة القائمة بين الذات
و الموضوع... و هكذا بالنسبة لكل ميادين نظرية المعرفة. و تعد الممارسة أساس عملية
المعرفة و معيار اليقين بالنسبة للمعرفة العلمية النظرية.
ينشأ
في مجرى تطور التاريخ ضرب خاص من النشاط يهدف إلى صيانة المعارف و تغييرها، و ينشأ
في مجرى التقسيم الاجتماعي للعمل نمط متميز من النشاط يرتبط بمهمة الاستخدام و التغيير
العلميين العالم المادي، الطبيعة و المجتمع بهدف إنتاج المعرفة النظرية و حفظ المعارف
و تكديسها و نقلها و تعليمها، و هذا ما يسميه كارل ماركس " إنتاجا روحيا
" أي ما تقوم به جماعات متميزة من الناس من وظائف خاصة ( وضع و استيعاب منظومات
المعرفة العلمية و المذاهب النظرية و الإيديولوجية و الأخلاقية و الجمالية من فن و
أدب... ) و يعود سبب اهتمام الماركسية بالمشكلات الخاصة للنشاط النظري إلى أن الماركسية
قد طرحت مهمة تحويل الاشتراكية من مذهب طوباوي إلى علم، و هنا يصبح تعليل وحدة النظرية
و الممارسة، و فهم الطابع الموضوعي لهذه الوحدة إحدى المقدمات النظرية للوقوف على الإمكانيات
الواقعية لإقامة التحالفات بين العاملين في مجال النشاط الإنتاجي العملي ( البروليتاريا
) و بين العاملين في الميدان النظري ( الانتلجنسيا الطليعية ) على أن توجيه تطور النظرية
في ميادين: الايدولوجيا و السياسة و المعرفة العلمية يجب أن يتم في نطاق المجتمع برمته.
تكون في عصر الثورة العلمية التقنية وحدة " النظرية " و ( الممارسة
) أمتن و أشمل منها في العصور السابقة، و لكن هذه الوحدة لا تقوم إلا على أساس التمايز
بين النظرية و الممارسة، و تعود خصوصية العمل الفكري إلى وظيفته المتمثلة في إنتاج
المعرفة، التي هي معرفة من نوع خاص. إن أساس هذا النشاط المتخصص و هدفه هو تحصيل معرفة
موضوعية برهانية عن الروابط الداخلية الهامة للأشياء و الظواهر و العمليات المدروسة.
فهدف العلم، و حصيلة النشاط المعرفي النظري، هو تحصيل معرفة يقينية جديدة و التحقق
من صحة الحقائق العلمية المحصلة سابقا و إدراجها في منظومات جديدة.
إن
مفهوم " النظرية " يجمع نسقا واسعا من النشاط الروحي ( المنظومات الإيديولوجية،
و النظريات و المفاهيم العلمية، المأخوذة في وحدتها ). و لكن في نظرية المعرفة الماركسية
اللينينية، يؤخذ مفهوم " النظرية " أحيانا بمعنى أضيق، حين يجري التمييز
بين " النظرية " أو النشاط النظري و بين ذلك المستوى من المعرفة العلمية:
المسمى " المعرفة العلمية التجريبية " و عندما يميزون بين معرفة علمية و
معرفة علمية نظرية، يتم في الثانية تنسيق المفاهيم و القوانين في نظرية علمية برهانية
متكاملة إلى حد ما، تغطي ميدانا واسعا من الواقع.
أما بخصوص وحدة النظرية و الممارسة، فتدرج الفلسفة الماركسية اللينينية مفهوم
الممارسة ضمن المعرفة كأساس لعلمية المعرفة و كمعيار للحقيقة، و هذا يعني، أن النشاط
المتخصص تاريخيا قد ظهر لأول مرة بفضل ذلك النشاط الذي يهدف إلى استيعاب العالم المحيط
عمليا، أي بفضل الإنتاج و ممارسة التغيير، كما يعني أن المتطلبات العملية للإنسان الاجتماعي،
هي التي تطرح المشكلات المعرفية و النشاط الروحي ثم تطرح الأسئلة، و الممارسة بصفتها
أساسا لعملية المعرفة تكون محركا لتطور العلم و الإنتاج الروحي كله و بذلك تكون ( قاعدة
تجريبية ) لاختيار الكثير من المعارف المحصلة في مجال النشاط الروحي المتخصص: أي أن
الممارسة في نهاية المطاف، هي المعيار الشامل و الحاسم ليقينية المعارف المتحصلة و
لكن لمعرفة هذا الجانب، لا بد لنا أولا من التعرف على الفهم الماركسي اللينيني لمسألة
اليقين (الحقيقة).
إن
الفهم اللينيني للحقيقة يقوم على أساس أنها ترتبط بديالكتيك الذات و الموضوع. و هي
من اختصاص المنطق الديالكتيكي. فعملية المعرفة تخرج عن إطار المضمون الحسي الملموس
حين يعاد إنتاج الواقع إنتاجا ذا مدلول اجتماعي، أي حين يعاد إنتاجه في منظومة اللغة
و المقولات المنطقية و غيرها. و تندرج الحقيقة في عداد أهم الأدوات في مخزون الثقافة
الإنسانية.
لذلك
فالحقيقة هي معرفة تتوافق مع الروابط الهامة للواقع الموضوعي، و أن المقدمة الأولى
و الضرورية لموضوعية الحقيقة هي وجود الواقع و قوانينه خارج وعي الذات العارفة و بصورة
مستقلة عنها، و يدل مفهوم الحقيقة على حصيلة التفاعل الديالكتيكي بين الذات و الموضوع،
بين الواقع المستقل عن الإنسان و بين النشاط المعرفي له أيضا.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق