مفهوم البنية بين شتراوس
والتوسير
علي محمد اليوسف/الموصل
اعتمد
شتراوس ثلاثة مرتكزات في تشكيل ذخيرته الثقافية – الفكرية باعتباره فيلسوفا بنيويا
- انثروبولوجيا , هذه المرتكزات الثلاثة :
-
علم النفس
-
الماركسية
-
الجيولوجيا التي تتفرع عنها وترتبط بها ارتباطا وثيقا
علم الصوتيات واللغة (1) .
ومن هذه
الاقانيم الثلاثة علم النفس والماركسية
والجيولوجيا استنبط شتراوس , مفهوم النسق
وجانب اللاوعي , وان الوقائع التجريبية لا معنى لها في ذاتها , ولكن متى وضعناها
في نسق فكري له معنى , او انموذج اكتسبت معنى علميا .
ويعتبر شتراوس
الفهم عبارة عن رد حقيقة الى اخرى , وان الواقع الحقيقي هو ليس
الاكثر وضوحا , بل ان من طبيعة الحقيقة ان تتخفى عنا في شكل او مظهر خارجي يواجهها
. (2)
وتأثر شتراوس
بماركس الذي هو اول من استخدم بشكل منظم النماذج في العلوم الاجتماعية , فرأس
المال برمته ( مبني ) اي هو ( بنية ) ترتبط ارتباطا وثيقا في عدم امكانية فهم ما
يجري في عقول البشر دون ربطه بواقعهم المعيشي وحياتهم العملية , لذا تكون صناعة
النماذج هي من نتاج العلاقة الجدلية بين الواقع والتجريد . كما يشير شتراوس انه
تعلم من ماركس مراوغة العقل , فالوعي
يخادع نفسه فهو يقترح طريقا ويفضي الى طريق اخر . ( 3)
ان ما نؤكد
عليه هنا ان شتراوس ظل امينا الى حد ما لتعاليم ماركس على خلاف التوسير الذي حاول
نسف الماركسية في جذريها كتاب رأس المال , وجدل المادية التأريخية كما سنوضحه لاحقا .
ويعّرف ليفي
شتراوس البنيوية في اصلها انما هي محاولة علمية من اجل القيام بحفريات جيولوجية في
عمق اعماق التربة الحضارية . بدلا من الاقتصار على تقديم وصف جغرافي سطحي لبعض
ربوع وشواخص الثقافة البشرية . وقد استفاد محمد اراكون من هذا التوصيف العلمي الجيولوجي بقوله : انه
فيما يرى ( بارت ) مؤيدا لما جاء به (ميرلو بونتي ) ان البنيوية اصبحت اليوم في
عصرنا الحديث بمثابة اللغة الشارحة لكل حضارتنا المعاصرة . كما افاد اراكون من
البنيوية في فلسفته نقد العقل الاسلامي .
نعود الان الى
مفهوم شتراوس ( للبنية ) فهو مناقض تماما لرأي الفيلسوف الفرنسي التوسير من انه –
هذا الاخير – حاول الاجهاز على العمود الفقري للماركسية(كتاب رأس المال) واخراجه
خارج الفاعلية في الواقع والحياة والتاريخ
.
اراد التوسير
استبدال الماركسية في منطلقاتها جدل المادة والتاريخ , بنوع من الماركسية الخيالية
حسب النقاد له.
فقد شن هجوما
لاذعا على الماركسية ما سبب له نقمة
وعداوة من جميع الفلاسفة الذين لا زالوا يحترمون الفكر الماركسي . وسبب طرده من الحزب الشيوعي الفرنسي معتبرين افكاره هرطقة
وهراء فلسفي .
تركز هجوم التوسيرفي
محاولته نسف المفهوم المادي العييني والواقعي الجدلي لكتاب رأس المال , في العودة
الى مثالية (هيجل ) التي تجاوزتها الماركسية , في طرحه منهجا تلفيقيا يعتبر فيه
(رأس المال ) بنية لا يربطها بالواقع المعيشي للناس رابطة , وان ثنائية التناقض في
الجدل والطبقة والتاريخ لم يعد لها وجود واقعي . ففي الوقت الذي يؤكد فيه شتراوس
ان رأس المال (بنية ) يرتبط فهمها في جدل العلاقة الوثيقة بالمعيشي وفي التناقض
الطبقي ومجرى الحياة العملية .
التوسير على
خلاف شتراوس يعتبر (البنية ) هي العلاقات الانتاجية ويعتبر ان الانسان وجوده يقترن
بها وليس في ( العلاقات الاجتماعية ) التي يحددها العيني الواقعي الاجتماعي لوجود
الفرد دليل قوله(اذا كانت البنية هي الثابت الوحيد القابل للمعرفة باعتبارها
علاقات الانتاج
فهي ليست – اي البنية كونها علاقات انتاج – ترجمانا للواقع بل انتاجا يتحدد فقط من خلال التصورات والمناهج . (4)
ويضيف : (
الواقع ليس موجودا بل يتحول الى موجود, والعملية الحقيقية تتمثل في الممارسة
النظرية وهذا يعني ان هذه الاخيرة تعني التطور لمجمل تاريخ المعارف .) (5)
التوسير يتعامل
مع (البنية ) كحامل علاقات اقتصادية يتعامل معها نظريا ومفهوميا , بضوء معطيات
تطور علوم المعرفة لذا فهو يسخر من التحليل المادي الجدلي للتاريخ , معتبرا اياها
من مخلفات الوهم الايد يولوجي .
اما بالنسبة
الى اليقين فهو لدى التوسير عملية او فكرة ناظمة لانه – اي اليقين – قابل للخطأ ,
وهذه الواقعية العلمية لا تبغي الحقيقة واليقين الا باعتبارهما مثلا اعلى تجتهد ان
تعلمنا ان نقيض الحقيقة ليس بالضرورة حقيقة مخالفة لما هو مقبول مبرهن عليه , بل
هو غياب الحقيقة تماما . (6)
اخيرا كلما
تقعرت لغة الفلسفة خارج حدود العقلاني والمدرك , وساحت في تهويماتها في متاهات
البحث عن ملاذها الاخير , فاننا لا نجدها اكثر من لغة معلقة بين الارض والسماء ,
في سديم الرؤى والافكار , وحيثما اصبحت طلاسمها النظرية عصية على التلقي والتوظيف
في مستقبل افضل للانسان , فاننا لا نعتبرها اكثر من هراء فلسفي .
الهوامش :
(1), ( 2) , (3) , د. افراح لطفي عبدالله – قراءة فلسفية في فكر ليفي شتراوس , مجلة دراسات
فلسفية العدد 23 , 2009, نقلا عن البنيوية والعولمة .
(4 ) ,(5) , ( 6) , التوسير ص 236 نقلا عن
الكبسي
علي
محمد اليوسف/الموصل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق