الاثنين، 19 فبراير 2018

مفهوم البنية بين شتراوس والتوسير  
علي محمد اليوسف/الموصل
اعتمد شتراوس ثلاثة مرتكزات في تشكيل ذخيرته الثقافية – الفكرية باعتباره فيلسوفا بنيويا - انثروبولوجيا , هذه المرتكزات الثلاثة :
-         علم النفس
-         الماركسية
-         الجيولوجيا التي تتفرع عنها وترتبط بها ارتباطا وثيقا علم الصوتيات واللغة (1) .
ومن هذه الاقانيم  الثلاثة علم النفس والماركسية والجيولوجيا استنبط شتراوس  , مفهوم النسق وجانب اللاوعي , وان الوقائع التجريبية لا معنى لها في ذاتها , ولكن متى وضعناها في نسق فكري له معنى , او انموذج اكتسبت معنى علميا .


ويعتبر شتراوس الفهم  عبارة عن رد  حقيقة الى اخرى , وان الواقع الحقيقي هو ليس الاكثر وضوحا , بل ان من طبيعة الحقيقة ان تتخفى عنا في شكل او مظهر خارجي يواجهها . (2)
وتأثر شتراوس بماركس الذي هو اول من استخدم بشكل منظم النماذج في العلوم الاجتماعية , فرأس المال برمته ( مبني ) اي هو ( بنية ) ترتبط ارتباطا وثيقا في عدم امكانية فهم ما يجري في عقول البشر دون ربطه بواقعهم المعيشي وحياتهم العملية , لذا تكون صناعة النماذج هي من نتاج العلاقة الجدلية بين الواقع والتجريد . كما يشير شتراوس انه تعلم من ماركس مراوغة العقل ,  فالوعي يخادع نفسه فهو يقترح طريقا ويفضي الى طريق اخر . ( 3)
ان ما نؤكد عليه هنا ان شتراوس ظل امينا الى حد ما لتعاليم ماركس على خلاف التوسير الذي حاول نسف الماركسية في جذريها كتاب رأس المال , وجدل المادية التأريخية كما سنوضحه  لاحقا .
ويعّرف ليفي شتراوس البنيوية في اصلها انما هي محاولة علمية من اجل القيام بحفريات جيولوجية في عمق اعماق التربة الحضارية . بدلا من الاقتصار على تقديم وصف جغرافي سطحي لبعض ربوع وشواخص الثقافة البشرية . وقد استفاد محمد اراكون  من هذا التوصيف العلمي الجيولوجي بقوله : انه فيما يرى ( بارت ) مؤيدا لما جاء به (ميرلو بونتي ) ان البنيوية اصبحت اليوم في عصرنا الحديث بمثابة اللغة الشارحة لكل حضارتنا المعاصرة . كما افاد اراكون من البنيوية في فلسفته نقد العقل الاسلامي .
نعود الان الى مفهوم شتراوس ( للبنية ) فهو مناقض تماما لرأي الفيلسوف الفرنسي التوسير من انه – هذا الاخير – حاول الاجهاز على العمود الفقري للماركسية(كتاب رأس المال) واخراجه خارج الفاعلية في الواقع والحياة والتاريخ  .
اراد التوسير استبدال الماركسية في منطلقاتها جدل المادة والتاريخ , بنوع من الماركسية الخيالية حسب النقاد له.
فقد شن هجوما لاذعا على الماركسية ما  سبب له نقمة وعداوة من جميع الفلاسفة الذين لا زالوا يحترمون الفكر الماركسي . وسبب طرده  من الحزب الشيوعي الفرنسي معتبرين افكاره هرطقة وهراء فلسفي .
تركز هجوم التوسيرفي محاولته نسف المفهوم المادي العييني والواقعي الجدلي لكتاب رأس المال , في العودة الى مثالية (هيجل ) التي تجاوزتها الماركسية , في طرحه منهجا تلفيقيا يعتبر فيه (رأس المال ) بنية لا يربطها بالواقع المعيشي للناس رابطة , وان ثنائية التناقض في الجدل والطبقة والتاريخ لم يعد لها وجود واقعي . ففي الوقت الذي يؤكد فيه شتراوس ان رأس المال (بنية ) يرتبط فهمها في جدل العلاقة الوثيقة بالمعيشي وفي التناقض الطبقي ومجرى الحياة العملية .
التوسير على خلاف شتراوس يعتبر (البنية ) هي العلاقات الانتاجية ويعتبر ان الانسان وجوده يقترن بها وليس في ( العلاقات الاجتماعية ) التي يحددها العيني الواقعي الاجتماعي لوجود الفرد دليل قوله(اذا كانت البنية هي الثابت الوحيد القابل للمعرفة باعتبارها
علاقات الانتاج فهي  ليست – اي البنية كونها علاقات انتاج –  ترجمانا للواقع بل انتاجا يتحدد فقط  من خلال التصورات والمناهج . (4)
ويضيف : ( الواقع ليس موجودا بل يتحول الى موجود, والعملية الحقيقية تتمثل في الممارسة النظرية وهذا يعني ان هذه الاخيرة تعني التطور لمجمل تاريخ المعارف .) (5)
التوسير يتعامل مع (البنية ) كحامل علاقات اقتصادية يتعامل معها نظريا ومفهوميا , بضوء معطيات تطور علوم المعرفة لذا فهو يسخر من التحليل المادي الجدلي للتاريخ , معتبرا اياها من مخلفات الوهم الايد يولوجي .
اما بالنسبة الى اليقين فهو لدى التوسير عملية او فكرة ناظمة لانه – اي اليقين – قابل للخطأ , وهذه الواقعية العلمية لا تبغي الحقيقة واليقين الا باعتبارهما مثلا اعلى تجتهد ان تعلمنا ان نقيض الحقيقة ليس بالضرورة حقيقة مخالفة لما هو مقبول مبرهن عليه , بل هو غياب الحقيقة تماما . (6)
اخيرا كلما تقعرت لغة الفلسفة خارج حدود العقلاني والمدرك , وساحت في تهويماتها في متاهات البحث عن ملاذها الاخير , فاننا لا نجدها اكثر من لغة معلقة بين الارض والسماء , في سديم الرؤى والافكار , وحيثما اصبحت طلاسمها النظرية عصية على التلقي والتوظيف في مستقبل افضل للانسان , فاننا لا نعتبرها اكثر من هراء فلسفي .
الهوامش :
(1), ( 2) , (3) , د. افراح لطفي عبدالله – قراءة  فلسفية في فكر ليفي شتراوس , مجلة دراسات فلسفية العدد 23 , 2009, نقلا عن البنيوية والعولمة .
       (4 ) ,(5) , ( 6) , التوسير ص 236 نقلا عن الكبسي
                                          علي محمد اليوسف/الموصل
                                                      

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق