الأربعاء، 18 يناير 2017

المسألة الدينيّة في مجتمعات ما قبل العلمانيّة

تجعل معظم الدول العربية من الدين عقيدة رسمية للمجتمع والدولة معاً، على رغم وجود أقليات دينية أخرى لا تشكّل في الحقيقة، غالبيَّة هذه المجتمعات ولكنها تتعايش مع المسلمين كمكتسبٍ تاريخي. وهي تأخذ في الوقت نفسه، من الديموقراطية الجانب المؤسسي فقط المرتبط بالاقتراع العام (الصناديق الانتخابية) من دون الجوانب الأخرى التي تؤسس للنظام الديموقراطي الحقيقي.

إذا كان الدين الإسلامي الدين الرسمي للدول العربية، فهذا لا يعني التماثُل المُطلق بين طبيعة العلاقات القائمة بين السلطة السياسية والمجتمع أو الجماعات الدينية. بحيث تم دمج الدين في الحياة السياسية كشرط ضروري ولا غنى عنه، وهو أمر يعود الى التاريخ السياسي لهذه المجتمعات لتظهر الأنظمة السياسية مُحايدة في مُختلف القضايا التي يُمكن أن تثير معارضة دينية محتملة. إلا أنه على رغم هذا الإقرار الدستوري للدين الإسلامي كعقيدة رسمية، فإن سيرورة التحديث المفروضة من الخارج والمدعومة من طرف أقلية محدودة جداً في هذه المجتمعات، أدت إلى علمنة بعض القطاعات والسياسات، من خلال الاعتراف بالحرية النسبية في مجال الحقوق والأحوال الشخصية لتدبير المجال الفردي أو الفضاء الخصوصي.
ولمقاربة سؤال الدين في هذه المجتمعات، نقترح بيان النقاط التالية:
أ- حول حيادية الدولة تجاه الإيمان الديني: إذا كانت الليبرالية السياسية تناقش الدولة الدستوريَّة الدّيموقراطيَّة، وتضع من ضمن أُسسها العامَّة مبدأ حياديَّة الدَّولة تجاه المُعتقد الديني (جون راولز)، فإن النقاش في المجتمعات ما قبل العِلمانيَّة، لَيس بعد في مستوى إحداث قطيعة تاريخيَّة وجذريَّة بحكم كون هذه المجتمعات بحاجة أولاً الى تعزيز مسار التحديث الذي بدأ مشوهاً.
والمفارقة الأولى هنا، أن هذه المجتمعات ليست بعد في مستوى حسم الخيارات الاستراتيجيَّة بخصوص السلطة الدينيَّة، لأن السلطة السياسيَّة فيها توظِّف الحقل الديني وتتحَكَّم فيه في شكلٍ مُطلق، خِدمةً لأهدافِها وأغراضِها السياسيَّة. بل أكثر من ذلك، فإن السلطة السياسيَّة تنحاز الى تيارٍ ديني إيديولوجي معين تجاه تيَّارات دينيَّة أخرى، حيث نجد دولاً شيعيَّة وأخرى سُنيَّة. فوضع الأقليَّات الدينيَّة في بعضِ الدول، مأزومٌ ويَجري تعريضها الدائم والمستمر للاضطهاد والإقصاء، فكيف لنا أن نُناقِش مَبادئ العَدَالة السياسيَّة ونحن في مجتمع غير ديموقراطي؟ هل تكمن المشكلة في الديموقراطيَّة؟ فالأخيرة ليست مجرد قواعد ومبادئ نظريَّة جاهزة، وليست مجرد اختيار، بل هي ممارسة فعلية. وهل يمكن اعتبار دولة ما من هذه الدول، محايدةً تجاه الدين؟ وكيف تتدخل السلطات السياسيَّة في تدبير الشأن الديني؟ وهل هناك حد فاصل بين السلطة السياسيَّة والدين؟
ليست الدول العربيَّة بعد في مستوى الدول الوطنيَّة التي تتمتع باستقلاليَّةٍ في التسيير والتدبير، بحيث أن التبعيَّة للغرب لا تَزال قائمةً في أشكالها الفاقعة. فبمبرر دعم التنمية والدفع بهذه البلدان نحو التقدم والنمو، يتم فرض تبعية سياسية بآلية المديونيَّة التي تُدِيم العلاقات الاجتماعيَّة نفسها وتُحافِظ على إعادة إنتاجها.
هل يتم الاعتراف بالحق في الاختلاف الديني وفي الاعتقاد الحر؟ هل يمكِن لمواطنٍ أن يكون غير مسلم؟
ب- وضعية المؤسسات القانونية والدستورية: معظم الدساتير إن لم نقل جميعها، تقرّ الإسلام كدين رسمي، وهو ما يعني إقصاء مباشراً للمكونات الدينية الأخرى، بل حتى للحريات الفردية التي يتوجب على الدستور ذاته أن يضمنها للأفراد المختلفين: العلمانيون والملحدون والذين يمارسون طقوساً وتعبدات مغايرة.
والمفارقة الثانية هنا، على شكل سؤال: في ما ستخدمنا أطروحة المجتمع ما بعد العلمانية؟
فإذا كان خيار احترام التعددية الثقافية والتعددية اللغوية والإقرار بالتعددية الدينية، قد فرض نفسه في الغرب أمام الحضور القوي للجماعات الدينية في الفضاء السياسي العمومي، فإن مجتمعاتنا الحالية لم تطرح هذا الخيار حتى، وبالتالي فإن خيار المجتمع ما بعد العلماني لن يزيدنا إلا تخلفاً وعودة إلى الوراء.
وإذا كانت العلمانية تعتبر أن الدين شأن فردي محض، فذلك لكون مجال الحريّة ليس واحداً ولا متماثلاً البتّة. فالحرية الجماعيّة في الفضاء العمومي شرط من شروط العلاقات بين الأفراد في المجتمع كشأن عام، في حين أن الحرية الفرديّة في المجال الخاص شرط من شروط العلاقة بين الفرد ونفسه كشأنٍ خاص. وهذا التضارب المفترض بين المجالين العام والخاص، هو أحد الأسس التي تقوم عليها العلمانية لضمان التعايش بين الأفراد المختلفين دينياً وعقائدياً واجتماعياً، ولكنه في الآن ذاته، أساس التوازن النفسي والوجداني للفرد الذي يُعتبر قوام الديموقراطيّة وعمود المجتمع، يتم تمتيعه بالاستقلالية والحرية كأساس من أسس العقل، لضمان استمراريّة الاجتماع البشري...
وإذا كان هابرماس ينظر إلى الحداثة الغربية على أنها مشروع لم يكتمل بعد، فإن مشروع الحداثة كمشروع تحمله قوى سياسية ومجتمعية وتدافع عنه في مجتمعاتنا، لم يولد بعد. ولكن على رغم ذلك، هناك سيرورة تحديث سياسي واجتماعي - على حساب ملايين الجماهير - تقوده المؤسسات الدولية التي تطمح إلى إظهار الأنظمة السياسية في هذه المجتمعات بمظهر الأنظمة التي تزاوج بين الأصالة والمعاصرة، بين التقليد والتحديث، ولكن هل هي حقاً قوى حداثية؟
مما لا شك فيه، أن الارتكاز إلى الدين كقوة للحكم وكركيزة للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، يمثل بحق العائق الأكبر أمام التحديث، والعائق الأكبر أمام الاندماج في المجتمع العالمي، ومسايرة التطور التاريخي للبشرية. فإلى متى سيظل حال هذه الأمة هكذا؟ ألم يحن بعد وقت قطيعة جذرية مع هذا الإرث الثقيل؟

هناك تعليق واحد:

  1. الله حق و الإسلام هو الدين الحق
    إن شاء الله مخلصين له الدين و لو كره الكافرون
    المجتمع عايش بخير و بنادم ماعرت علاش كيقلب

    ردحذف