الأحد، 22 يناير 2017

في سبيل نظرية خطاب نسوية:


تشغل المسألة النسائية في تفكير نانسي فريزر مكانة هامة، أولا باعتبارها مناضلة يسارية ترعرعت في كنف الحركة الاشتراكية، وثانيا باعتبارها صاحب قول في الفلسفة الاجتماعية والنقدية التي ترتكز على قراءة التجارب (التي تنخرط فيها باستمرار) لاستخلاص الدروس.
تدعو فريزر في الفصل الخامس من كتابها: "ديناميّة النساء" (2012)، والذي عنونته ب: "بنيويّة أم برغماتية؟ حول نظرية الخطاب (النسوي) والسيّاسة النسويّة، إلى حاجة الحركة النسائيّة إلى نظريّة متكاملة حول الخطاب، من أجل دمج مفاهيم الخطاب كما نجدها عن جاك لاكان، فوكو، هابرماس، غرامشي، كريستيفا، دريدا، باختين... معلنة أنها تحاشت الحديث في وقت سابق عن هذا الأمر أي حاجة الحركة النسائية إلى خطابات فوق – نظرية، لذلك تقول: " سأحاول شرح لماذا تحتاج النسوية إلى نظرية الخطاب... وسأنطلق من سؤالين محوريين: فيما ستخدم نظرية الخطاب الحركة النسائية (وخاصة الموجة الثالثة)؟ فيما ستحتاج ناشطات الحركة النسائية نظرية الخطاب؟ أرى أن هذه النظرية ستساعدنا على فهم أربعة أشياء:

- ستسمح لنا أولا بفهم كيف ستتغير وتتحول مع الزمن الهويات الاجتماعية: تعني الهويات الاجتماعية دلالات مركبة وأنظمة من التأويلات، فأن تمتلك هوية اجتماعية، أي تصبح امرأة أو رجلا مثلا تعني أن تعيش وتتحدد تحت مجموعة من الأوصاف، أوصاف لا تخص الجسد أو الروح فقط حيث لا يكفيك الإلمام لا بالبيولوجيا ولا بعلم النفس، بل يتوجب عليك الغوص في الممارسات الاجتماعية المحددة تاريخيا للنوع لفهم كيف تشكلت الهوية.
الهويات الاجتماعية في نظر نانسي معقدة ومركبة جذريا: لا توجد هناك امرأة بل امرأة بيضاء، يهودية، من الطبقة المتوسطة، فيلسوفة، سحاقية، اشتراكية، أُم... ولأن كل الناس يتحركون في سياقات اجتماعية متعددة، تتشكل الهوية الاجتماعية لفرد ما في خضم مجال وسياقات تحركه ووجوده. لذلك لا توجد امرأة بنفس المقاييس أو المعايير، وفي بعض السياقات تمثل الأنوثة مكانة محورية من ضمن مجموعة من الأوصاف التي تؤطرنا وتحيط بنا أو تنسب إلينا. ولهذا لا تتشكل الهويات الاجتماعية دفعة واحدة بل يتم تعدل مع مرور الزمن وتتغير بالموازاة مع الممارسات ومع هويات الفاعلين.
– ستسمح لنا ثانيا بفهم كيف تتشكل وتتفكك المجموعات الاجتماعية في ظل شروط اللاَّمساواة: كيف يجتمع ويتنظم الأفراد تحت يافطة الهوية الاجتماعية؟ كيف تنشأ طبقة ما؟ أو نوع اجتماعي ما؟ يتم تشكل جماعة ما في خضم نضالات برهاناتها وخطاباتها المتنوعة.
- ستؤثث ثالثا وتضمن التداخل الثقافي للمجموعات السائدة في مجتمع ما.
- ستوضح رابعا لنا منظورات التغيير الاجتماعي والممارسات السياسية للاضطهاد.
يأتي اهتمام نانسي بنظرية خطاب نسوي في سياق ايمانها الكامل بحجم معاناة النساء التي تزداد مع توسع الرأسماليَّة في طورِها النيوليبرالِي، حيث لم يعد خطاب الحركة النسويَّة كما كان مع الموجة الأولى، لأن النِّساء أشكال متنوعة بحسب تنوع الهويَّات الاجتماعيَّة، ولا توجد المرأة كما تقول بنفس معايير النساء، بل المرأة بما هي نوع اجتماعي مميز بهويته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق