الأحد، 29 يناير 2017

العمل بالتعاقد: مسمار آخر في مستقبل شبابنا


على عكس ما يدعي البعض، أظن أنه لا مجال للشك في الرقم الذي أعلنته وزارة التربيَّة حول عدد المترشحات والمترشحين لمباراة العمل بالتعاقد والذي بلغ ما يقارب 94 ألف، هذا دون احتساب المقاطعين للمباراة والذين لم يتقدموا لها أصلاً. ويدل هذا الرقم على ارتفاع عدد حاملي الشواهد العليا بالمغرب خلال السنوات الماضيَّة، بحيث أن ما يُقارِب نصف مليون مترشح ومترشحة يجتازون سنويا امتحانات البكالوريا، ويغادر ممن حصلوا على الشهادة حوالي 1200 ألف لاستكمال  الدراسة بالخارج لا يعود حتى الربع منهم إلى المغرب.

كان للجمعية الوطنية لحاملي الشهادات المعطلين بالمغرب في التسعينيات دور هام في تأطير وتكوين هذه الفئة الاجتماعية، إلا أن تحولات اجتماعية وسياسية عميقة ودخول تيارات ايديولوجية الى العمل السياسي، سيكون له وقع على تكريس ثقافة التشبيك والتنسيقيات (كجواب على البيروقراطية النقابية والجمعوية) التي ساهمت لا محالة في استراتيجية الفئوية التي تعاملت معها الحكومة بالحذر الشديد، ولكنها شجعتها كحل أمثل أمام خيار تجميع المقاومة لتلعب دورها السياسي في فترات الأزمة السياسية. وبطبيعة الحال سيكون للعمل بالعقد محدود المدة انعكاسات سلبية جمة أمام المكتسبات التاريخية لنضالات الشعب المغربي. غير أن السؤال الجوهري لا يتعلق بهذا الاجراء أو ذاك، وإنما بخيارات كبرى تتعلق بالمجتمع والدولة ككل. فمما لا شك فيه أن المغرب دخل أزمة سياسية حقيقية في ظل غياب قوة سياسية للتغيير قادرة على بلورة مشروع مجتمعي متكامل، لأن التوجهات الكبرى للمغرب تسير في اتجاه سياسة الانفتاح أمام النيوليبرالية المتوحشة، وليس لها من خيار آخر اتجاه الالتزامات الدولية ودوامة المديونية الخارجية المرتفعة بشكل مهول، وهذا ما ستكون له نتائج وخيمة على مستقبل المغرب. فخوصصة التعليم من خلال تدمير المدرسة العمومية، هو جزء من استراتيجية عامة لتدمير القطاعات العمومية وإنهاء دولة الرعاية من خلال خوصصة الخدمات الاجتماعية: التقاعد، صندوق المقاصة، الصحة، النقل، السكن... وبالموازاة مع قبول الشباب للعمل بالتعاقد، هناك صمت جمعوي ونقابي على هذا المخطط لا يضاهيه صمتها عن جل المخططات التي ساهمت في تدمير الخدمة العمومية، بل وصمت الشغيلة المزاولة لمهامها والتعبير عن عدم القبول أو الرضى عن الوضع في صمت، لكن إلى أين تسير أحوال هذا البلد؟ بعض مؤشرات الخيار التوتاليتاري تطفو على السطح: تدمير المنظمات الجماهيرية والنقابية وإزاحتها عن دورها ومكانتها، تنامي النزوع التدميري والعنيف في أقساط واسعة من المجتمع، تبجيل خيار العنف والعنف المضاد في تدبير مشكلات الناس... نحن بحاجة الى نقاش حقيقي وبحوث علمية حول التحولات الجارية في بلدنا بدل الاستسلام لبرامج ومخططات ستعزز الأزمة وتعمقها أكثر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق