الأحد، 15 يناير 2017

تدريس الفلسفة في التعليم الثانوي بألمانيا


تمثل ألمانيا نموذجا فريدا في تدريس الفلسفة بالتعليم الثانوي في اوروبا، فقد ساد الاعتقاد لمدة طويلة بكون فرنسا تمثل الريادة في تدريس وتدعيم الدرس الفلسفي في الجامعة وفي التعليم ما قبل الجامعي، إلا أن هذا الاعتقاد لا يصح اذا اطلعنا على بعض النماذج الاوروبية الاخرى وخاصة النموذج الالماني الذي نقدم هنا بعض عناصره الأساس فيما يخص التعليم ما قبل الجامعي.
يعود تاريخ تدريس الفلسفة بالتعليم الثانوي التأهيلي الألماني إلى القرن التاسع عشر، فلهيجل نصوص هامة حول تدريس الفلسفة في مدارس الجيمنازيوم (Gymnasium أو ثانويات التعليم العام التي تستقبل التلاميذ ما بين 10 و 19 سنة ومدة الدراسة بها حاليا 8 سنوات بدل 9 سابقا) والتي يحدد فيها محاور برنامج الفلسفة آنذاك، كما لكانط نصوص حول تدريس الفلسفة والتي وضع من خلالها تصوره للوظيفة النقدية للفلسفة مدافعا عن شرعية التفلسف.

يتميز النظام المعاصر (الحالي) لتدريس الفلسفة في المانيا بالتنوع والغنى الذي يسم برامج الفلسفة في مختلف الولايات الألمانية، ذلك أن انقسام ألمانيا الى 16 ولاية منذ إعادة توحيدها سنة 1990، سيدعم ويقوي السياسة الجهوية في المجالات العمومية والاجتماعية، وخاصة في مجال التربية والتكوين بحيث نجد أن لكل ولاية سياستها الخاصة، ولها الحق في اختيار المناهج والمضامين والبرامج التي تراها مناسبة بحسب التوجه المجتمعي وما توافق عليه المجالس المنتخبة والمحلية الممثلة في اجهزة التربية والتعليم، فالأحزاب السياسية المحلية تساهم في رسم سياسة التعليم، إلى جانب مجلس المؤسسة ووزير التعليم المحلي. فمع سياسة التوحيد تتقاسم مشكلات التعليم وكل ما يرتبط بهذا القطاع من تخطيط وتوجيه وتمويل بين الحكومة الفيدرالية والولاية.
تعتبر الفلسفة مادة مدرسية في التعليم الثانوي (تختلف الولايات في تصورها وتدريسها لهذه المادة كما سنرى ذلك) كغيرها من المواد الدراسية، وتحظى بنفس الاهمية التي تحظى بها المواد الاخرى.
وسعيا وراء تقريب القارئ المهتم أمام وضعية تعليم الفلسفة ونوعية البرنامج والمناهج المعتمدة نضع بين أيديكم هذا المقال الذي يتناول أربعة نماذج من برامج الفلسفة في أربع ولايات مختارة وهي:
1 - ولاية برلينBerlin؛
2 - ولاية ساكس – انهالت 2007  Saxe-Anhalt؛
3 – ولاية رينلند – فالز 1998 Rheinland-Pfalz؛
4 - ولاية شمال الرينان – ويستيفالي 1999  Rhénanie du nord – Westphalie.


تدريس الفلسفة في التعليم الثانوي بألمانيا
لألمانيا وضع خاص بسبب تقسيم البلاد الى 16 ولاية منذ إعادة التوحيد سنة 1990، حيث نجد لكل ولاية سياستها الخاصة في مجال التعليم، الى جانب غياب الفصل الحقيقي بين الكنيسة والدولة.
يتم تدريس الفلسفة بشكل عام في مختلف الولايات باستثناء الولايات الجديدة في الشرق. لا توجد دروس الفلسفة في كل الولايات حيث نجد دروسا في الاثيقا كشكل من دروس الفلسفة. وفي بعض الولايات تشكل دروس الفلسفة اجبارية تعوض الدروس في الدين: ابتداء من السن 14 يتلقى التلميذ الذي لم يستفد من الدروس في الدين دروسا في الفلسفة.   
وفي معظم الولايات ظل درس الفلسفة اختياريا.
1 - ولاية برلين:
تدريس الفلسفة اختياري يتم في السنة الختامية من التعليم الثانوي في بعض ثانويات برلين.
وبحسب التوجيهات الرسمية الجديدة يتمحور تدريس الفلسفة بشكل اساسي حول الكفايات ولا يعطي اهمية كبيرة للمضامين المعرفية، وتستحضر ثلاثة ابعاد في المحتويات:
·                    البعد الاتيقي – العملي؛
·                    البعد التاريخي الاجتماعي والانثروبولوجي؛
·                    البعد الميتافيزيقي.
وتدرس الفلسفة داخل مختلف التخصصات بحسب مشاريع كل مؤسسة.

2 - ولاية ساكس – انهالت 2007  Saxe-Anhalt
تقترح كل ثانوية في الولاية منذ ماي 1991 تعليم  الفلسفة بشكل اختياري في السنوات الاربعة الاخيرة قبل الامتحان (منذ الفصل التاسع الى الثاني عشر أو الثالث عشر)، بمعدل ساعتين في الاسبوع.
منذ الموسم الدراسي 2006 / 2007 تعقد الوضع بسبب انتقال نظام التعليم من الفصل 13 الى الفصل 12، لذلك تم اعتماد الفلسفة في 3 سنوات بدل اربعة ويتوج باختبار شفوي في الامتحان.
وفي سنة 2003 عرف برنامج الفلسفة تغيرا حاسما. فنصفها يحتوي على المفاهيم / الموضوعات notions التي تضاف اختياريا من الفصل العاشر الى الثاني عشر، الى جانب بعض المفاهيم التي تهدف الى تعميق التكوين في الفلسفة. ويشمل البرنامج المفاهيم التالية:



المفاهيم العامة
مفاهيم تعميق التكوين
الزمن، الحقيقة، الروح الانسانية، الحرية، الوعي والمعرفة، الجمال، اللغة والدلالة، الميتافيزيقا.
فهم الكون، تنظيم الحياة الجماعية، المعيش والبناء

تدرس الفلسفة وفقط طريقتين:
·                    دراسة النصوص وتطوير وضعية حجاجية؛
·                    التفكير في موضوع إشكالي.
وهما طريقتين متكاملتين بالرغم من اختلافهما منهجيا.
وتحضر الفلسفة في مختلف التخصصات والمواد الاخرى وتهتم بالعصر الرقمي ونتائجه على وعي وفهم الانسان لذاته وللعالم.

3 - ولاية رينلند – فالز 1998 Rheinland-Pfalz
برنامج الفلسفة : يشمل هذا البرنامج ثلاث سنوات من الدراسة العليا في مدارس الجيمنازيوم ( من الفصل 11 الى 13).
مجال اجباري
المحاور
مجال اختياري
المحاور
القطب
الاشكالات
المنهجية
عدد الساعات
I
القضايا الأساسية في الانثروبولوجية الفلسفية
القضايا الرئيسية في فلسفة الطبيعة
القضايا الرئيسية في فلسفة المعرفة



الخطاب الفلسفي على:
مستوى المفهوم(الدلالة الفلسفية)،
مستوى الحكم(المبادئ الفلسفية)،
مستوى الخلاصات(الحجاج الفلسفي).
15 س

15 س

15 س
-        الجماليات
-        التفكير غير الاوروبي
-        تاريخ الفلسفة
II
القضايا الرئيسية في فلسفة التاريخ
القضايا الرئيسية في الاخلاق الفلسفية
القضايا الرئيسية في فلسفة الحق والدولة
15 س

15 س

15 س
-        نظرية الفعل
-        الايديولوجيا / نقد الايديولوجيا
-        الذكاء الصناعي
-        فلسفة الثقافة
-        الميتافيزيقا
-        الانطولوجيا
-        فلسفة الروح
-        فلسفة الدين
III
القضايا الرئيسية في المنطق
القضايا الرئيسية في النظرية العلمية
15 س
15 س
-       السيميوطيقا
-        فلسفة اللغة
-        نظرية الادراك

يكمل ويعمق المجال الاختياري المجال الاجباري. ويمكن الجمع بين المجالين في كل الاقطاب بحرية.
أما المنهجية فتتعلق بالمجال الاجباري.
وتحظى الاشكالات الرئيسية في الانثروبولوجية الفلسفية بأهمية خاصة. بحيث تمثل عصب كل مجالات الثيمات، ويتوجب دراستها اولا. إلا أنه يمكن اختيار بحرية تدريس محور ضمن القطب 1 في الفصل الثاني عشر أو محور ضمن القطب 2 في الفصل الثاني عشر، إذا افترضنا عدم تداخل المحاور.
المنهجية
ما هي المنهجية الفلسفية الضرورية لمعالجة اشكالية معينة بطريقة فلسفية؟
المحاور
العناصر المدرسة
1 – كيف يمكن تطوير المصطلحات الفلسفية وفهم كيفية استعمالها بشكل صحيح؟
-        تحليل وشرح المصطلحات
-        تطوير وتحديد المصطلحات (التعريف، التجريد)
-        التمييز، التصنيف
-        تصنيف المفاهيم
-        درجة التمييز المفاهيمي (التجريد، الملموس، الخاص، المفرد، الكوني)
-        تمييز يسمح بإبراز العلاقة بين (الجزء، الكل / النهاية، المنتصف)
2 – كيف يمكن الحصول على اقتراحات نظرية وعملية صالحة (خطابات توجيهية ) وفحص قيمتها؟
-        تحليل منطقي للمقترحات (الاعلان، التأكيد، المعيار، القاعدة)
-        شرح الفروض (الفرضية، البداهة)
-        التعميم والتحقق
-        اضفاء الطابع الشكلي والكمي
-        بناء التشابهات
-        تنويع طرق طرح المشكلات
3 – كيف يمكن الربط بين المقترحات والتحقق من أهمية الحجج واتساقها؟
-        تحليل الحجج النظرية والعملية (استنتاجات صحيحة، المغالطات، المفارقات، الرجوع الى ما لانهاية بالخلف، الحيل الحجاجية)
-        تطوير استنتاجات
-        بناء نماذج
-        تأسيس فرضيات

اشكالات الاقطاب:
القطب الموضوعاتي الأول
1 - قضايا رئيسية في الانثربولوجية الفلسفية
1 – أيعرف الانسان نفسه بنفسه؟
1 – ما الذي يميز الانسان عن الحيوان؟
2 – كيف يعيش الناس جماعة؟
2 – كيف يفهم الانسان عالمه وهو نموذج؟
1 – كيف ولج الانسان العالم؟
2 – كيف يتصرف مع الأشياء؟
2 – قضايا رئيسية في فلسفة الطبيعة
1 – ما الطبيعة بالنسبة للبشر؟

1 – كيف يستغل الانسان الطبيعة؟
2 – أي صور يحملها البشر عن العالم؟

2 – كيف يتصرف البشر اتجاه الطبيعة؟
1 – كيف يتعايش الانسان مع الطبيعة؟
2 – كيف تحول التقنية علاقة الانسان بالطبيعة؟
3 - قضايا رئيسية في فلسفة المعرفة
1 – كيف عرف الانسان العالم؟
1 – كيف يرى الانسان العالم؟
2 – كيف أن المعرفة ممكنة؟
2 – إلى أي حد المعرفة ممكنة؟
1 – ما هذا؟
2 – ما الذي بإمكاني معرفته؟

القطب الموضوعاتي الثاني
1 - قضايا رئيسية في فلسفة التاريخ
1 – كيف يشعر الانسان بالتاريخ؟
1 – ما الزمن؟
2 – كيف يتصل الانسان بالماضي؟
2 –  كيف يفهم الانسان التاريخ؟
1 – هل للتاريخ معنى؟
2 – هل يحدد الماضي المستقبل؟
2 – قضايا رئيسية في فلسفة الحق والدولة
1 – كيف ظهرت الدولة؟

1 – هل الانسان بحاجة الى الدولة والحق؟
2 – ما الذي يؤسس الشأن العام؟
2 – ما هي شرعية قواعد الدولة؟
1 – كيف أن العلاقة بين الفرد والدولة منظمة ومبررة؟
2 – على ماذا تتأسس قواعد الحق؟
3 - قضايا رئيسية في الأخلاق الفلسفية
1 – ماذا علي أن أفعل؟
1 – ما الذي يتوجه اليه الفعل البشري؟
2 – ما الذي يجعل من عمل ما عملا اخلاقيا؟
2 – كيف يمكنني تبرير فعلي؟
1 – كيف يمكننا تقييم الافعال والتصرفات والسلوكات اخلاقيا؟
2 – على ماذا تتأسس القواعد الاخلاقية؟


القطب الموضوعاتي الثالث
1 - قضايا رئيسية في المنطق
1 – كيف يمكن تحليل مسألة قضوية؟

1 – ما هي العناصر الهامة في تحليل اللغة؟
2 – كيف نحلل بنية قضية مركبة؟
2 –  ما شكل خاتمة صالحة قضويا؟
1 – كيف نحلل بينة ذات – محمول قضية ما؟
2 – ما شكل خلاصة صالحة؟
2 – قضايا رئيسية في نظرية المعرفة
1 – ما مدى علمية العلم؟

1 – بموجب أي منهج تتقدم العلوم الطبيعية؟
2 – ما هي المناهج المناسبة للعلوم الاجتماعية والعقلية؟
2 – ما هي حدود العلم؟
1 –  كيف تقبل العلوم حاجتها الى الصلاحية؟
2 – أي مكانة تحتلها العلوم في حياة الافراد والمجتمع؟

4 - ولاية شمال الرينان – ويستيفالي 1999  Rhénanie du nord - Westphalie
يتم تدريس الفلسفة في الثانويات كمادة اختيارية في اطار تدريس العلوم الاجتماعية، وهي الزامية بالنسبة للتلاميذ الذين لا يدرسون الدين. وتدرس من الفصل 11 الى 13 كدروس التعمق (5 ساعات في الاسبوع)، أو كدروس أساسية (3 ساعات اسبوعيا). وهي مادة يمتحن فيها التلميذ كتابيا وشفويا.
ومنذ موسم 2003 / 2004 تم اعتماد دروس عملية / تطبيقية في الفلسفة بالنسبة للتعليم الاعدادي من الفصل الخامس الى التاسع كبديل للدين. ويتمحور مضمون البرنامج على سبعة قضايا جوهرية والتي من خلالها سيتناول موضوعات ملموسة أكثر، من قبيل الهوية، الحرية، الحساسية والعقل، الجسد والروح فيما يخص القضية الاولى (قضية الذات).
1 - قضية الذات؛
2 – مسألة الآخرون؛
3 – مسألة الفعل الصحيح؛
4 – مسألة الحق، الدولة والمجتمع؛
5 – قضية الطبيعة والتقنية؛
6 – قضية الحقيقة والواقع؛
7 – مسألة الاصل، المستقبل والمعنى.

برنامج الفصول 11 و 12 و13
الفصل 11
الدورة الاولى
مدخل الى الفلسفة
الدورة الثانية
الاختيار بين:
* مشكلات المفاهيم الانثربولوجية
* نظريات المعرفة
الفصل 12
الدورة الاولى
مشكلات ونظريات أخلاق الفعل الانساني
الدورة الثانية
الاختيار بين:
*مشكلات الدولة والسياسة والمجتمع والحق؛
*النظريات الفلسفية حول التاريخ
الفصل 13
مشكلات الفكر والمعرفة والعلم (نظرية المعرفة والابستمولوجيا)،
وأمام اختيار الاستاذ وتلامذته القضايا التالية:
- الميتافيزيقيا و الأنطولوجيا؛
- مفاهيم الطبيعة و البيئة؛
- الفن و علم الجمال؛
- القضايا الثقافية وبين الثقافات؛
- العلوم؛
- الحضارة التقنية والتكنولوجية؛
- الدين؛
- اللغة واللسان؛
- المنطق.

ولمعالجة كل قضية من القضايا الاجبارية، يقترح البرنامج (الوارد في التوجيهات) على الاستاذ سلسلة موضوعات اختيارية. بحيث يمكن للأستاذ في درس مشكلات ونظريات الاخلاق على سبيل المثال، معالجة (إذا رغب في ذلك) مفاهيم من مثل: الحرية، الخير والسعادة... فالبرنامج ليس برنامجا في تاريخ الفلسفة، ولا يعالج بعض المدارس الفلسفية، ولا أنساقا او مذاهب معينة. ولا يخضع لأية مبادئ ديداكتيكية ضيقة جدا او دوغمائية.
كما تحتل قراءة المؤلفات مكانة هامة تساعد على تحليل المحاور المقترحة في البرنامج، فبعض النصوص تغطي الموضوعات في مجملها، والبعض الآخر مجرد مقتطفات خاصة بموضوع محدد.
الموضوعات التي يختارها اساتذة المادة تستوجب موافقة المفتشية الجهوية. وذلك لضمان تكافؤ الفرص للجميع في الامتحان الذي يكون عادة عبارة عن نصوص تحتاج الى تحليل كتابي او شفوي كيفما كان طبيعة الدرس: " درس للتعمق" أو "درس الأساس". 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق