الخميس، 17 مايو 2018

الفِقْه المُسَيَّس وتَصْنيع الفَتْوى: النُصوص الدينيّة على”رقْعَة الشطرنج السياسيّة”

الدكتورة خديجة زتيلي
1- في إشكاليّة الانْسداد الفقهي وتأزّ م الخطاب الديني:
هل يمكن اليوم أن نغلق باب الاجتهاد ونحن أحوج إليه أكثر من أيّ وقت مضى؟ هل فتحَ الفُقهاء القوس ثمّ أغلقوه ولم يعدْ بالإمكان إلاّ ما كان؟ وهل يمكن لعقولنا أن تستوعب الكثير من التفاسير التاريخيّة المؤدلجة غير المقنعة التي لا يزال إيقاعها يسري في حياتنا المعاصرة؟ إلى متى يستمرّ الفقه الذكوري يكْتم أنفاس الناس وأنفاس النساء بوجه خاصّ فيبرّر الهيمنة والتراتبيّة الجنسيّة في المجتمع ويحيل إلى مراوحة المكان وتقبّل الواقع من دون اعتراض أو مقاومة، وهل سيظلّ وعينا شقيّا متعثّرا متردّدا بشأن مناقشة أطروحاته، أم أنّ التنوير والعقلانيّة وواقع العصر يستدعي فهما جديدا للخطاب الديني بأفق واسع ينأى بنفسه كلّ النأي عن التسييس والمناورة؟ 
متى نكفّ عن تسفيه وتكفير وتفسيق وتكذيب النقد الذي يقترب من الفقه الإسلامي، وخاصّة ذلك الذي يطْرق قضايا المرأة وما يتعلّق بها من أحكام تشريعيّة، فنُشهّرُ بأصحابهِ ونبطش بوحشيّة بممارسيه ونُقيم الدُنيا ولا نُقْعدها، بعيداً عن أخلاقيات الحوار الهادئ الرصين والاختلاف الفكري المشروع والاجتهاد الديني المطلوب والعقلانيّة المتبصّرة وحقّ التأويل المستند أساسا إلى شروطه وقواعده، والذي يعترف بالتلاقح بين الأفكار لا بالتناطح فيها بينها؟ أمْ أنّ التعنّت في الرأي سيستمرّ، ما يعني في نهاية المطاف ديْمومة حالة الانْسداد الفقْهي بل تَأْبيدها على غرار حالة الانسداد التاريخي التي يعاني منها عالمنا العربي والإسلامي منذ زمن بعيد ولا يبدو أن انفراج الأزمة سيحصل قريبا. ولا شكّ أن الانسداديْن معاً وما لهما من وشائج اتّصال متينة إنّما يشْهدان على هزائمنا الفكريّة، فلقد خلّفا كوارث في المجتمعات أثّرتْ بشكل كبير على الانسان.


2- هل التفضيل بين الذكور والإناث هو تفضيل إلهيّ أم فقهي؟:
تَطْرح هذه الدراسة في مُسْتهلّها السؤال: هل التفضيل بين الذكور والإناث الذي يُرسّخه الخطاب الدينيّ والفقهاء هو تفضيل إلهي أم فقهي؟ أم أنّ السادة الفُقهاء ابْتعدوا عن النصّ القرآني وكلام الله وراحوا يُفسرّون النصّ المقدّس بنزعة ذكوريّة تقوم على لَيِّ أعناق المعاني وتطويعها بما يحقّق أهدافهم، فَتَشِي تلك العمليّة، وما يترتّب عنها من تبرير، برأي الفقيه الشخصي والاجتماعي وبالبعد النفعي لاجتهاده لا بتناوله الرصين والموضوعي لتعاليم الدين الإسلامي السمحة، وعندها سنكون بإزاء إشكاليّة على جانب كبير من الأهميّة والخطورة وهي إشكاليّة ذكوريّة الفقه. وهذه الإشكاليّة تنْسحب أيضا على طريقة التعاطي مع الأحاديث النبويّة ذات الصلة الوثيقة بقضايا النساء، التي جاءت معظم تفاسير الفقهاء فيها رجْعيّة ومسيّسة، فهل نحن بصدد «فقهاء وأْد المرأة»؟ (1). إنّ مشكلة الحديث عن قضايا المرأة من خلال النصوص الدينيّة والفكر الديني يظلّ برأي نصر حامد أبو زيد «مُرتهنا بآفاق تلك النصوص من جهة وينحصر في آليات السجال مع أطروحات الخطاب الديني العميقة الجذور في تربة الثقافة من جهة أخرى. وكلا الأمرين يؤدي إلى حصر المناقشة في إطار ضيّق، هو إطار الحلال والحرام، وهو إطار لا يسمح بالتداول الحرّ للأفكار» (2). وهذه هي بالفعل مزالق الفقه المتزمّت وإحدى مثالبه الكبرى لأنّه يبقى حبيس تأويلات تُراد له سلفاً تُسَوّغها الثقافة المجتمعيّة السائدة. وفوق ذلك كلّه يمكن القول أنّ الإصرار على الإطار الأخلاقي والديني لطرح المسائل المتعلّقة بالمرأة يُعدّ «إخفاء معتمداً للبعد الاجتماعي والاقتصادي من جهة، وتجاهلاً قصديّا لعلاقة المرأة بالرجل في سياقها التاريخي وإطارها الفعلي» (3)، علاوة على توطين مقولة التراتبية الهرميّة للمجتمع، التي تُفضي إلى تبْخيس الأنثى واعتبارها شريكا غير ضروري في صناعة التاريخ والحضارة. ولهذه الأسباب مجتمعة مآلاتها الكارثيّة التي لا يحْسِب لها الفقه المتزمّت أيّ حساب، فابتعاد الخطاب الديني الإسلامي عن مساره الصحيح ودحْضه لقيّم التنوير يجعله يَتَكشّف بصيغة أخرى أكثر مأساويّة من ذي قبل فــ «هو خطاب مأزوم لأنّه يسعى على مستوى الظاهر للمساهمة في إخراج الواقع من الأزمة – شأنه شأن مجمل الخطاب العربي – لكنّه على مستوى الباطن يُكرّس الأزمة ويعمّق التبعيّة» (4). وهذه هي اللَعْنة التي تُلاحق مجتمعاتنا اليوم وتُقوِّض بُنيانها في غياب وعي عميق بمقتضيات المرحلة التاريخيّة الراهنة ومتطلّباتها.
3- الانْزِلاق نحْو المناطق المعتّمة:
ــــــ في مواجهة التأويلات المغْلقة للنصوص الدينيّة ــــــ
لا يمكن أن يكون الله إلاّ عادلا بالاسْتناد إلى آياته في النصّ القرآني، وتقْتضي هذه النتيجة عدم التفرقة بين الذكور والإناث إلاّ بالتقوى والعمل الصالح، فمنْ أين طلع لنا شيوخ الإفْتاء بتبويء المرأة ”الدرجة الثانيّة” بعد الرجل؟! ألا يستدعي الأمر تبصّرا وطيّ صفحات الفقه الإسلامي التاريخي الذي يمتلئ بالكثير من التناقض والهُراء الذي تمّ تصنيعه لدوافع ومُقْتضيات مرحليّة لم يغْفِل التاريخ عن ذكرها والتنبيه إليها. فقد بات من الضرورة بمكان في الوقت الحاضر تجديد هذا الفقه الذي لا مناص له أن يتجدّد وأن يضع في الحسبان معطيات العصر والمرحلة التاريخيّة موضع الاهتمام. و«إذا ذهب فقهاء السلطة في عصر التدوين وتأصيل الفقه إلى ما ذهبوا إليه خوفا من مروان وعبد الملك والمنصور، فليس ثمّة ما يجبرنا على التزام مذهبهم ذاك» (5). والخلاصة أنّ هناك هوّة سحيقة موجودة بين إيديولوجيا الإسلام السياسي وبين النصوص الدينيّة تسوق إلى القول بأنّ «آليات الاقصاء والاستبعاد والقمع.. ليست من خصائص التديّن والعقيدة بقدر ما هي من خصائص الفكر وآلية من أشدّ آليته خطرا» (6). ولعلّ هذه النتيجة هي التي دفعتْ الأكاديميّة وعالمة الاجتماع فاطمة المرنيسي لكي تعود، وهي مشحونة بإرادة شرسة للمعرفة، إلى القرآن والسنة وإلى العلماء والفقهاء من أمثال الطبري وابن هشام وابن سعد وابن حجر والبخاري والنسائي، وإلى غيرهم لكي تعْرف «سرّ هذا العداء للنساء الذي يتوجّب على النساء المسلمات مواجهته» (7)، ولذلك لا ينطوي كتابها الحريم السياسي على عرض تاريخي للأحداث أو الأفكار كما قد يبدو للوهلة الأولى، بقدر ما هو، على حدّ تعبيرها، «قصّة – ذكرى، انزلاق نحو أمكنة تنسحب فيها الذاكرة، وتعتّم التواريخ وتتلاشى الأحداث ببطء..» (8).
كانت زوجات الرسول الكريم حسب كتب السيرة والمرويات يناقشن السياسة والمواضيع الاجتماعيّة ويذْهبن إلى الحرب ويتحدّثن في المواضيع الحميمة دون حرج، ولنا في عائشة خير دليل على ذلك وغيرهنّ من الصحابيات، إلاّ أنّه في عصر ما بعد النبوّة تغيّر الأمر كثيرا وانتشرتْ التقاليد الجامدة والتأويلات المغلقة للنصوص الدينيّة، ولعلّ هذا الانغلاق الذي شوّه التاريخ وأفرغ بعض تلك النصوص من محتوياتها الروحيّة ووضعها موضع شكّ وريبة، هو الذي دفع المرنيسي إلى إعادة قراءتها ومعها كتب التفسير، وذلك بالاستناد على جملة من الأدوات المعرفية تُتْقِنها المرنيسي كونها عالمة اجتماع مُتمرّسة وقارئة جيّدة ونهِمة للتراث الديني والفقهي، وكونها أيضا امرأة مسلمة تحمل على عاتقها همّ معرفة الحقيقة. وسوف لن تتردّد لاحقا في القول، بعد رحلة بحث شاقّة ومُضنيّة، أنّ هناك تفاسير رجعيّة للدين وعلى النقد النزيه أن ينتبه إليها، كما أنّه من واجب الضمائر الحيّة أن لا تتعمّد طمس تلك التفاسير التي يعوزها قول الحقّ، وفضلاً عن ذلك كلّه نبّهتْ إلى ضرورة مُراجعة بعض سير الفُقهاء وتفاسيرهم التي جاءتْ في مُجملها مُسيّسة! وسوف تركّز الكاتبة في الحريم السياسي على بعض الأحاديث التي جاءت ضدّ النساء وحول منشئها. ويهمّني في هذا السياق أن أرجع إلى حديث: ”لم يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة ”، وكيف تعاطتْ ْمعه الكاتبة بشكل نقدي، على أمل أن يرجع القارئ إلى باقي الأحاديث التي تطرّقتْ إليها المرنيسي في كتابها المذكور، لأنّ سياق هذه الدراسة يضيق عن ذكْرها جميعا.
يذْكرُ البخاري في صحيحه أنّ أبا بكرة هو الذي سمع الرسول الكريم يقول ” لم يفلح قوم ولّوا أمْرهم امرأة”. وتعتمد المرنيسي لتحرّي الحقيقة على بحث مزدوج تاريخي ومنهجي حول الحديث وراويه، مركّزة اهْتمامها على الظروف التي اسْتُعْمِل فيها هذا الحديث لأوّل مرّة، «فمنْ قال هذا الحديث؟ وأيْن ومَتى، ولمنْ، ولماذا؟؟» (9). فوِفق رواية أبي بكرة فإنّ نبيّ المسلمين تلفّظ بهذا الحديث عندما سمع بأنّ الفُرْس قد ولّوا أمر حُكمهم إلى امرأة، تقول المرنيسي مُعَقّبة على ذلك ومُتوسّلة بالنقد التاريخي: «لماذا استُجرّ.. ليفتّت ذكرياته ويبذل الجهد العجيب كي يتذكّر كلمات كان الرسول قد تلفّظ بها منذ 25 سنة سبقتْ؟؟ التحليل الأوّل، البعيد عن قابليّته للإهمال، هو أنّ أبا بكرة تذكّر حديثه بعد موقعة الجمل. في هذه الفترة، لم يكن مصير عائشة ممّا تُحسد عليه، لقد كانت أُعدمتْ سياسيّا حيث جُرح ثلاثة عشر ألف رجل من أنصارها في ساحة المعركة، واستعاد عليّ المدينة فكلّ الذين لم يختاروا جماعة عليّ كان عليهم تبرئة أنفسهم» (10)، مع العلم أنّ أبا بكرة امتنع عن المشاركة في تلك الحرب وأعلن عن ذلك رسميّا، فيما لم تتراجع عائشة عن المشاركة فيها وهي التي كانت تعرف كيف تأخذ عدّتها في أمور المفاوضات والحرب، وقد أرسلتْ قبل حصار المدينة رُسُلا إلى الأعيان تشْرح فيها أسْباب خروجها ضدّ عليّ وأهدافها من ذلك، وقد كان أبو بكرة من بين الأعْيان الذين تمّ الاتّصال بهم!
لا تذهب المصادر التاريخيّة وفق المرنيسي إلى أنّ عائشة قد تعرّضتْ للإساءة أو أنّها شُتمت في تلك الحرب التي جرّتها لمواجهة عليّ إلاّ فيما نذر، فلماذا يتميّز موقف أبي بكرة بوضعيّة مُعادية لعائشة وللنساء بشكل عام تتساءل المرنيسي؟ إنّه بالرجوع إلى مقاييس رواية الأحاديث النبويّة ومصدر الحديث وشروط اعْتماد التُقاة والصادقين فإنّ أبا بكرة يجب أن يُسْتبعد على الفور لأنّ «إحدى سيره الذاتية، التي رواها ابن الأثير، تُعلّمنا أنّه أُدِين وأنّ عمر بن الخطّاب قد جَلَده على شهادة كاذبة أدْلى بها» (11)، ما يجعل أمر الثقة في كلامه من الصعوبة بمكان، وإذا أَخَذْنا بفقه مالك وجب استبعاده كمصدر للحديث من قبل المسلمين المالكيين. ولا تنسى المرنيسي أن تُذكّرنا علاوة على كلّ ما قيل بأنّ حديث ”لم يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة ”، المدْرج في صحيح البخاري كان الطبري قد أخذ منه موقفاً. وهناك تفاصيل أخرى عن السياقات التاريخيّة والاجتماعيّة والنفْسيّة التي تتعمّق فيها المرنيسي لتفسير الدوافع الحقيقيّة وراء رواية الحديث، هذا الأخير الذي كانت له نتائج كارثيّة في المجتمعات العربيّة الاسلاميّة، فقد رُوّج له كثيرا وتوسّلتْ به المنظومات الدينيّة الظلاميّة والأنظمة السياسيّة الفاسدة لكي تبرّر ذكوريّتها وتكْتم صوت الأنثى، فتُردّد ذلك الحديث في منابرها وفي مساجدها في كلّ مرّة تُطلّ برأسها على الناس. ولا يُساورني الشكّ في النوايا السيئة للفتاوى الذكوريّة التي تَنْضَح بمعاداة النساء الناتجة عن هذا الحديث. وليس سرّا أنّ الأئمة وبشكل بديهي اسْتطاعوا «الإفادة من الجهل الذي قدّسْنا به النصوص كي يَنْسجوا حجابا – ستارة على الجامع – المنزل-، ولكن كلّ واحد يعلم.. أنّه يكْفي أن يعْكف على صفحات الكتب المصْفَرّة من تاريخنا لتظهر واضحة دعابات عائشة، ونزق وحدّة وتساؤلات أمّ سلمة، وحضور مطالبهنّ السياسيّة في مدينة مسلمة عجيبة: مدينة مفتوحة على السماء» (12).
4- صحيح البخاري هل هو الصحيح؟
لقد دفعتْ الكثير من المرْويات المتعلّقة بالتراث الديني وما تحمله من تناقضات وخرافات وتعارض مع العقل والمنطق والنصوص الدينيّة، الباحث رشيد أيلال إلى معالجتها بوصفها نصوصا تاريخيّة لا مُقدّسة تحتمل التفسير والاجتهاد الانساني، فتوجّهتْ عنايته إلى قراءة صحيح البخاري قراءة نقديّة جديدة مُتأنيّة تزْخر بالنصوص والأسانيد والمخطوطات وتتوخّى التحليل العلمي العميق، انْطلاقا من مبدأ حبّ هذا التراث والرغبة الجامحة لتبرئة الدين من المغالطات والأكاذيب، مع العلم أنّ كتاب البخاري قد أُنجزتْ حوله دراسات كثيرة في تاريخ سابقٍ. وعلى الرغم من صعوبة المهمّة وحساسيّة الموضوع وضيق بعض الصدور والعقول وعدم ترْحيبها بالاتّجاه نحو نقد الفقهاء أصحاب الصيت الذائع، إلاّ أنّ رشيد أيلال حاول التخلّص من فكرة كون صحيح البخاري فوق النقد، وفوق العلم، وفوق العقل. إنّ الحكايات التي نُسجتْ حول صحيح البخاري كثيرة، ولكن بعضها لا يستسيغه العقل ولا يدْعمه المنطق، أمّا فيما يتعلّق بالأحاديث النبويّة الواردة في الصحيح فبعضها صادم ولا يتّفق مع مقام النبيّ وما نعرفه عنه من نبل أخلاقه وإنسانيّته المفرطة، كيف لا وقد أرْسِل للعالمين لكي يُتمّم مكارم الأخلاق. وسأضرب مثلا ساقه رشيد أيلال في كتابه عمّا ورد في صحيح البخاري في باب ”ما يُتّقى من شؤم المرأة”، فعن عبد الله بن عمر أنّ الرسول الكريم قال: ((الشؤم في المرأة والدار والفرس))، فـــهل يُعقل أن يقول الرسول هذا الكلام وهو الذي يتلو قول الله تعالى: في سورة النحل الآية 59 ((وإذا بُشر أحدهم بالأنْثى ظلّ وجهه مسودّا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بُشر به أيمسكه على هون أم يدسّه في التراب إلاّ ساء ما يحكمون)).
ويتساءل أيلال في هذا السياق «هل يُشَبّه رسولنا المرأة بالفرس والدار، أي بالحيوان والجماد.. وهو الذي يقول: ((ما أكرمهنّ إلاّ كريم وما أهانهنّ إلاّ لئيم)) فهل يكون الرسول لئيما وهو الكريم؟!» (13)، وهذا الحديث الذي أحيلُ إليه يأتي على سبيل المثال لا الحصر، ففي حقيقة الأمر توجد أمثلة عديدة ووجيهة عن أحاديث كثيرة في مواضيع مختلفة واردة في الصحيح يتطرّق إليها كتاب أيلال النقدي، الذي آمل أن أعود إلى قراءته قراءة تحليليّة نقديّة موسّعة في مناسبات قادمة. وعطفاً عمّا سبق فإن رواية الاجماع حول صحيح البخاري تحتاج في حقيقة الأمر إلى نقاش جدّي رصين لما يعتري هذا الأخير من تناقضات وافتراءات تتعارض في أحيان كثيرة مع المنطق والعقل والتفكير. وينتهي أيلال إلى أنّ «صحيح البخاري الذي بين أيدينا لا يمكن الجزم بنسبه للشيخ محمّد بن إسماعيل البخاري» (14). فهل يُفضي التضارب والتناقض الموجود في بعض أجزاءه إلى القول أنّ كتاب البخاري الذي يُروى أنّ كتابته من طرف صاحبه لم تكْتمل، قد ملأه شيوخ الإفْتاء بما يريدون وأنّهم تصرّفوا في بعض مضامينه؟ ما يجعل النبش فيه لا يقع في باب المحظورات والتكفير والتسفيه كما يذهب إليه غُلاة الدين والأوْصياء الجُدد عليه، بل لكي لا تستشري المعاني التي لا تربطها أيّ صلة بالرسول الكريم. ويُضيف أيلال قائلاً: «من هو المؤلّف الحقيقي لكتاب صحيح البخاري؟.. مؤلّفه مجهول، فلا وجود لمخطوطة واحدة، أو حتّى جزء من مخطوطة لصحيح البخاري بخطّ محمّد بن إسماعيل البخاري، ولا وجود لمخطوطة واحدة أو جزء من مخطوطة لنفس الكتاب بخطّ أحد تلامذة البخاري، ولا وجود أيضا في العالم أجمع لمخطوطة واحدة أو جزء من مخطوطة بخطّ أحد تلامذة تلامذة البخاري، لنجد أنفسنا أمام كتاب غريب المصدر مجهول الأثر» (15).
5- تفعيل مبدأ ”القوامة” لإقصاء المرأة من الحياة السياسيّة:
وعود على بدء هل يجرّد النصّ الديني المرأة من حقوق كثيرة كما يزعم بعض الفقهاء والمتديّنين؟ كيف نصدّق ذلك والله يساوي بين المرأة والرجل في الثواب والعقاب كما يتجلّى ذلك في النصّ القرآني الواضح والصريح العبارة بهذا الشأن، ثمّ أنّ ما وصلتْ إليه النساء اليوم من مكانة علميّة رفيعة يُبطل بكلّ تأكيد المقولات العُنصريّة التي تدّعي أنّ عقل النساء هو دون عقل الرجال، بالنظر إلى حضورهنّ في الحياة السياسيّة والاجتماعيّة وفي الصحّة والتعليم والقضاء والفنون والهندسة وغيرها من المجالات، فلماذا يتبنّى شيوخ الإفتاء أو بعضهم على الأقّل فكرة المفاضلة بين الجنسين ويدافعون عنها إلى آخر الرمق، علما أنّها قائمة على أساس بيولوجي وثقافي وليس على أساس علمي وعقلاني ومنطقي، ولما الإصرار على «التمسّك بالصورة التي تمّ رسْمها في القرنين الثاني والثالث الهجريين حين كانت العلاقات الأسريّة والاجتماعيّة والانسانيّة علاقات قبَليّة عشائريّة تقوم على الرقّ والسبي والتفوّق الذكوري» (16)، أم أنّ تلك المقولات يجب عليها أن تصْلح لكلّ زمان ومكان لتبرّر التمييز والعنف ضدّ المرأة بأشكاله المختلفة، ولكي تؤكد على مبدأ القوامة الذي يسلبها الحياة والحريّة والانسانيّة، وينجرّ عنه اجتماعيّا إقصاء النساء من الحياة السياسيّة وإبعادهنّ بشكل قسري وقصدي عن صناعة القرار تحت مسمّى الأهليّة العقليّة وغيرها من الأوهام والخرافات التي يُردّدها على أسماعنا بعض شيوخ الإفتاء ويتحجّجون بها لتبرير ذلك الإقصاء. لا غرابة في ذلك لأنّ «الحجّة الدينيّة هي نوع من أنواع ”حجج السلطة” argument d’autorité أي أنّها لا تستمدّ قوّة إقناعها من منطقها الخاصّ أو من تطابقها أو عدم تطابقها مع واقع ما، بل من موقع قائلها أو من المرجع المقدّس الذي أخذتْ منه وإليهِ تمّتْ إحالتها» (17).
يسْتندُ الفقه الذكوري في تأكيد مبدأ القوامة على نصّ الآية 34 من سورة النساء بوصفها قطْعيّة الدلالة في علوّ درجة الرجال على النساء ونصّها: ((الرجال قوّامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم، فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله، واللآتي يخافون نشوزهنّ فعِظوهنّ واهْجروهنّ في المضاجع واضْربوهنّ، فإن أطعْنكم فلا تبغوا عليهنّ سبيلا)). والمشكل غير كامن في صيغة العلاقات بين النساء والرجال في هذه الآية، «بل في عجزنا المتواصل عن تنزيلها في التاريخ، وهامشّية محاولات تنسيبها واعتبارها غير صالحة لعصرنا. لم تكن المساواة بين النساء والرجال أمرا مطروحا على المجتمعات القديمة، ولم يكن بوسع القرآن أن يقْفِز على مُقْتضيات العصر الذي ظهر فيه» (18). لهذا يبدو لي أنّ الاعتناء بالسياق التاريخي والاجتماعي هو مسألة على درجة كبيرة من الأهميّة والفائدة لفهم الآيات الكريمة والمعاني الحقيقيّة التي تتوارى خلف تلك الآيات، ولا شكّ أنّ الارْتكاز على هذا البُعد الهامّ لفهم النصوص الدينيّة، من شأنه أن يُخلّصها من الفهم السطحي الذي توجّهه الإيديولوجيات والأهواء الفرديّة والمصالح الشخصيّة لا العقل.
وعطفا على ما قيل يمكن التنبيه في هذا السياق إلى كتاب ألفة يوسف المعنون ناقصات عقل ودين الذي تناولتْ فيه موضوع الخطاب الديني وبعض الآراء الفقهيّة من زاوية أخرى وفي سياق غير التاريخي والاجتماعي الذي جرى التنبيه إلى أهميّته، إنّه السياق النفسي هذه المرّة، فقد توسّلتْ الكاتبة بمعارف التحليل النفسي عموما والتحليل اللاكاني خصوصا من أجل مُساءلة أحاديث النبيّ والبحث في بعض أبعادها الروحيّة والنفسيّة. فتَحْتَ عنوان ”الدين الذكوري والإيمان الأنثوي” تقول: «النساء لسن ناقصات عقل فحسب بل ناقصات دين أيضا، والدين متّصل اتّصالاً وثيقا بالمؤسّسات التي تنشُره، فإذا نظرنا في الديانات الكتابيّة وجدنا الدين اليهودي متّصلا بأحبار اليهود والدين المسيحي متّصلا بالكنيسة وبأبواتها والدين الإسلامي متّصلا بالفقهاء والأئمة .. [في تراتبيّة] أساسها الطاعة، طاعة وليّ الأمر أو طاعة الفقيه أو طاعة القسّ» (19)، في إشارة واضحة من ألفة يوسف إلى دلالة وأهميّة ”رمز الذكورة” في توطين الأعلى والأدنى، وحسبها فإنّ «سلوك الفقهاء الديني ذكوري يحتفي بالرمز ويؤكّد خضوع البشر إلى سلطانه» (20).
6- الفتوى هي رأي في الدين وليست رأي الدين:
من الواضح جدّا أنّ فتاوى الفقهاء تقع في دائرة الاجتهاد والتأويل، وهي خاضعة لظروف الزمان والمكان، ولا شكّ أنّها تتأثّر أيضاً بالأعراف الاجتماعيّة وخاصّة عندما يتعلّق الأمر بقضايا المرأة، وتشْرح رقيّة طه في كتابها (21) الذي يُناقش أثر العرف على المجتهد، وحصرا المجتهد في قضايا النساء، كيف تتشكّل بعض الأحكام الفقهيّة من خلال تلك الاجتهادات النابعة أساساً من البيئة والمجتمع، فالمجتهد هو ابن بيئته وعصره في نهاية المطاف. وتروم دراستها الوصول إلى تقْعيد الاجتهاد المعاصر ورسم ضوابطه ما يُمَكّن من الوصول إلى اجتهاد حيادي نزيه، يكون موضوعياّ قدر الإمكان في تعامله مع النصوص الدينيّة والفقهيّة على حدّ سواء، وهذا من شأنه أن يعين على فرز الأصلي من الدخيل ويطعن في الاجتهادات التي تقفز على التفسير نحو التبرير، ويقف بالمرصاد للمنظومة الفقهيّة الذكوريّة التي تُوَظّف النصوص توظيفاً تعسفيّا لقمع النساء. فالمنظومة الفقهيّة الذكوريّة المتوارثة لا تدّخر جهدا لفرض إكراهاتها في الزمان والمكان المعاصرين، ولذلك لا يريد لها أصحابها أن تتجدّد مضامينها ويتّسع أفقها، لأنّها حسب تقديرهم فوق مُسْتوى النقد.
واتّساقا مع هذا المنطق تَشْرح زهيّة جويرو في لقاء حواري لها يحمل عنوان: ”الفتوى سلعة يحكمها قانون العرض والطلب”، كيف تحوّلتْ الفتوى في واقعنا اليوم إلى صناعة يحْكُمها العرض والطلب، مُسوّغة ذلك بتحوّل الإفتاء إلى مؤسّسة ومنذ أصبح المفتي موظّفا «يحصل على مزايا مادّية ورمزيّة مقابل تولّيه عمل الافتاء»، مؤكّدة في تحليلها أنّ الفتوى لم تعد عملا معزولا وأنّ البعد التجاري والربحي لها لا يمكن إغفاله أبداً، وقد قاد ذلك إلى تشكيل وعي ديني جديد يعطي سلطة للمفتي على الناس وعلى الوعي العام. وحسبها «يَظهر هذا البُعد التجاري من خلال مظاهر عديدة: توظيف الأنظمة والأحزاب وجماعات السلطة والمال لمفتين مكلّفين بمقابل بإضفاء الشرعيّة على اختياراتهم السياسيّة وعلى أعمالهم ونشاطاتهم، وإخراج أحكامهم في صورة أحكام شرعيّة باستصدارها من المفتي، وتزايد القنوات التلفزيّة الربحيّة المتخصّصة في الإفتاء والبرامج الدينيّة، وتزايد مواقع الإفتاء على النيت وتزايد روّادها ومنها مواقع تدرّ على أصحابها أموالاً طائلةً» (22). وكثير منها يبيع الأوهام والخرافات والأكاذيب والزور للناس فتصدّقها وفَوْق ذلك كلّه تهتف باسم المفتي وتمجّد عبقريّته. فكيف لفتوى من قبيل جواز ”إتْيان الزوج لزوجته وهي ميّتة” يستسيغها الذوق السليم ويتقبّلها العقل والمنطق، ومنْ ذا الذي يمكنه أن يُقْبِل على فعل مقزّز وشنيع كهذا؟!
لاشكّ أنّ فئة من الناس تذهب إلى القول أنّ الفتوى رأي في الدين، وهذا الموقف يُفْضي إلى فتح باب الاجتهاد والاختلاف في الرأي على مِصراعيه، ويعني أيضا أنّ الفتوى لا تعدو أن تكون مجرّد رأي ”الفقيه المجتهد” وحسب، فلا تكتسب عندئذ صفة الحكم الملزم الذي تقتضي مُخالفته تبعات قانونيّة وشرعيّة. غير أنّ جمهورا واسعا من الناس يذهب عكس ذلك، فيؤكّد مطابقةّ الفتوى للدين وللقرآن والسنة، وأنّ كلّ من لا ينضوي تحت هذا الرأي مخالف للنصوص الدينيّة وخارج عن الصراط المستقيم، ولعلّ هذا التوجّه وثيق الصلة بالنمط الثقافي المهيمن الباسط لنفوذه. إذْ «تكتسب الأفكار قوّة إضافيّة كلّما تعاقب عليها الزمن من جهة وتواتر القول بها من جهة ثانيّة، وهذا يعطيها حصانة رمزيّة تبلغ حدّ التقديس بسبب رسوخها الذهني، يحدث هذا في السياسة وفي الثقافة وفي مقامات الناس، مثلما يحدث في الرؤية الدينيّة والفتوى التي ستتحوّل من كونها رأي لشخص مفرد، ثم بمفعوليّة النسقيّة الثقافيّة ببعدها الزمني والتواتري تصبح عقيدة يتخوّف كلّ من يفكّر بمخالفتها» (23). لا محالة أنّ ارتباط الفتوى بالبشر يجعلها نسبيّة غير مُطلقة الأحكام، ومُتغيرة لا ثابتة، وقابلة للتصديق كما التكذيب أيضاً، ومن يرى غير ذلك يدخل في باب المكابرة ومخالفة المنطق البشري، لأنّ المسائل الفقهيّة لا نهائيّة القراءة، والتفسير فيها متغيّر في كلّ زمان ومكان، ما يتأكّد معه أنّ الفتوى صناعة بشريّة ورأي في النصوص الدينيّة ليس إلاّ.
وأذكّر في هذه العجالة بأنّ الأمثلة كثيرة عن إصدار فتاوى في الماضي، ولكن تمّ التراجع عنها لاحقا بفعل تدخّل السلطة السياسيّة الحاكمة، مثل فتوى ”تحريم السياقة على النساء في السعوديةّ” التي تمّ التراجع عنها مؤخّرا بقرار من وليّ عهد المملكة العربيّة السعوديّة الشاب محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، الذي باشر إصلاحات سياسيّة واجتماعيّة غير مسبوقة، وقام بتخفيف قيود نظام الولاية على المرأة، تحت تأثير ظروف العصر والرهانات السياسيّة المحليّة والتحدّيات العالميّة. الأمر الذي قد يعزّز من وجهة نظر الباحث عمّار بنحمودة القائلة: «إنّ تفكّك السلطة الاستبداديّة الذي بدأ يحدث تدريجيّا في كثير من الدول الاسلاميّة يمكن أن يُنهي دور الفقيه ويحوّله إلى شخص قابع في مِحرابه يعيش مع عالم الأموات الذين يستمدّ منهم أحكامه ويتجاهل الواقع من حوله» (24). ولكنْ هل يمكن للفقه المسيّس أن يتراجع إلى الوراء بشكل فعليّ وفق نُبوءات الكاتب، وأن يتوقّف ”الفقه الذكوري” عن العبث بمصير الناس والنساء بشكل خاصّ؟ هل ستتمّ خسارة العُرى الوثيقة بين الفقهاء والساسة وينتهي التواطؤ بينهما ضدّ خصْم ما، أم أنّ التفكير في ذلك هو مجرّد أضغاث أحلام، والسؤال المطروح هو سابق لأوانه في الوقت الراهن، وأنّه لا داعي للتفاؤل كثيرا بهذا المآل بالنظر إلى واقع الحال؟

7- نحو فقه جديد في قضايا النساء:
إنّ الخطاب الديني كثيرا ما يوزِّع الاتّهامات، عندما يتعلّق الأمر بتجديد آليات التفكير في قضايا المرأة في المجْتمعات العربيّة والاسلاميّة، من قبيل الخضوع لهيمنة الغرب والتواطؤ معه لنسْف التراث الديني وقيّمه وغيرها من الاتّهامات الكثيرة التي تُلْصق بمن يقترب من المحظور ويتجاسر على مناقشتهِ أو معارضتهِ، لكنّ تصوير تحرير المرأة وتأسيس العقل كونهما مؤامرة ضدّ الإسلام والمسلمين «فتلك هي الهلْوَسَة العقليّة والبارانويا الذهنيّة الملازمة لبنية الخطاب الديني والملازمة له» (25). وفي كلّ الأحوال وفي سبيل المضيّ نحو قيّم التنوير، على المساعي الحثيثة التي تُبْدل للحدّ من هيْمنة الخرافات وأساطير الفقه الذكوري، أن تتواصل بعزيمة قويّة وإيمان راسخ بتغيير الذهنيات وبأنّه لا يصحّ إلاّ الصحيح، وعلى المرأة أن تُدرك جيّدا، في هذه المعركة الحضاريّة، بأنّ تجديد الفكر في قضايا المرأة إنّما يتطلّب منها أن تُطوّر نفسها وفكرها وثقافتها، وأن تسير في مسار تاريخي جديد يتجاوز القضايا المطْلبيّة وحقوق النساء، ليولي عنايته فضلا عن ذلك بالقضايا المصيريّة الأخرى التي لا تزال عالقة والتي يتوقّف عليها وجودها الحقيقي وكرامتها الإنسانيّة، ولعلّ بعض تلك القضايا قد تمّتْ الإشارة إليها في هذه السطور. مع ضرورة التنبيه في الوقت نفسه إلى أهميّة تظافر جهود المجتمع في سبيل وعي عميق بأنّ قضيّة تحرير النساء من الخُرافات والأوْهام والأكاذيب وهيْمنة الأنْساق الثقافيّة المغْلقة لا يتعلّق بهنّ فقط، بل هي قضية مجتمع بكامله عليه أن يُواجه تحديّات العصر والعولمة والحضارة العالميّة الجديدة بعقول وسواعد رجاله ونسائه على حدّ سواء، في أجواء من التكاثف والمشاركة والمحبّة، وأنّه يجب أن نأخذ في الحسبان « أنّ قضايا المرأة في التحليل العامّ، تكاد لا تنفصل أو تنفكّ عن طبيعة المشكلة الثقافيّة العميقة الجذور في مُجتمعاتنا، وهي تتأثّر بطبيعة مستوى التطوّر الاجتماعي العامّ في هذه المجتمعات» (26). ولذلك لا مناصّ لجهود التغيير أن تُراهن أوّلا على جدْوى تفكيك المنظومة الثقافيّة السائدة ومُناقشتها.
خاتمة
أنتجَ الفقه المتزمّت منظومات سياسيّة ودينيّة فاسدة، وقاد إلى الانْفصال عن الواقع الاجتماعي والسياسي والتأخّر في مسايرة العصر، وفوق ذلك كلّه أدّى إلى تنامي ظاهرة الحقد على النساء وعرقلة جهود تحريرهنّ وتمكينهن اجتماعيّا وسياسيّا تحت تبريرات واهيّة، حتىّ ليُخيّل للمرء أنه أمام إسلام جديد ”موازي” لا علاقة له بقيّم وتعاليم الدين السمْحة، البعيدة عن كلّ البعد عن مظاهر الإكْراه والحقد والكراهيّة ومعاداة الآخر. فقد عزّز، بعض شيوخ الإفتاء ”غير المؤهلين” أخلاقيّا وثقافيّا ودينيّا لحمل رسالة الإفتاء، من فكرة التراتبيّة الهرميّة في المجتمع في أبعادها الجنسيّة وحتى العرقيّة والطائفيّة في أحيان أخرى، وساهموا في تغذية النزعة العنصريّة، وراحوا يكفّرون هذا وذاك، الأمر الذي بات يستدعي النظر في الموضوع بعين الحرص والاهتمام والحذر قبل أن تتفاقم الأوضاع أكثر مما عليه في الوقت الراهن.
من أرشيف الدكتورة خديجة زتبلي:

حوارات الفلسفة بصيغة المؤنث: خديجة زتيلي

الدرس الفلسفي في الجزائر: التحديات والآفاق

عن الفلسفة النسوية .. هل التفلسف امتياز رجالي؟

*****************************
المراجــــع:
(1) وضّاح صائب، وأد الأنثى بين النصوص المقدّسة وعقدة الذكوريّة، (بيروت: الانتشار العربي، ط1، 2014)، ص 38.
(2) نصر حامد أبو زيد، دوائر الخوف: قراءة في خطاب المرأة، (الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، ط3، 2004)، ص 86.
(3) المرجع نفسه، ص 87.
(4) المرجع نفسه، ص 106.
(5) محمد شحرور، نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي، فقه المرأة، (الوصيّة – الإرث- القوامة- التعدّدية -اللباس)، (سوريّة: الأهالي للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، 2000)، ص 115.
(6) نصر حامد أبو زيد، دوائر الخوف: قراءة في خطاب المرأة، ص 173.
(7) فاطمة المرنيسي، الحريم السياسي النبي والنساء، ترجمة عبد الهادي عبّاس، (دمشق: دار الحصاد للنشر والتوزيع)، ص 18.
(8) المرجع نفسه، ص 21.
(9) المرجع نفسه، ص 67.
(10) المرجع نفسه، ص ص 71-72.
(11) المرجع نفسه، ص 77.
(12) المرجع نفسه، ص 141.
(13) رشيد أيلال، صحيح البخاري نهاية أسطورة، (المغرب: دار الوطن، ط1، 2017)، ص 65.
(14) المرجع نفسه، ص 269.
(15) المرجع نفسه، ص 279.
(16) محمد شحرور، نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي، فقه المرأة، ص 316-317.
(17) رجاء بن سلامة، بنيان الفحولة: أبحاث في المذكّر والمؤنث، (سورية: دار بترا للنشر والتوزيع، ط1، 2005)، ص 115.
(18) المرجع نفسه، ص 93.
(19) ألفة يوسف، ناقصات عقل ودين: فصول في حديث الرسول (مقاربة تحليليّة نفسيّة)، (تونس: دار سحر للنشر، ط 3، 2008)، ص ص 86-87..
(20) المرجع نفسه، ص 89.
(21) رقيّة طه جابر العلواني، أثر العرف في فهم النصوص (قضايا المرأة نموذجا)، (لبنان -سورية: دار الفكر المعاصر- دار الفكر، ط1، 2003).
(22) زهيّة جويرو، ”الفتوى سلعة يحكمها قانون العرض والطلب”، لقاء حواري على منبر (مؤسّسة مؤمنون بلا حدود، فبراير 2017)، أجرى الحوار عيسى جابلي.
(23) عبد الله الغذّامي، الفقيه الفضائي: تحوّل الخطاب الديني من المنبر إلى الشاشة، (الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، ط1، 2011)، ص 33.
(24) عماّر بنحمودة، «الإفتاء في شؤون النساء، رؤية نقديّة لتفكيك الهيمنة الذكوريّة»، في كتاب صناعة الفتوى، إشراف بسّام الجمل، تنسيق أنس الطريفي، (مؤسّسة مؤمنون بلا حدود، نوفمبر (2016)، ص 63.
(25) نصر حامد أبو زيد، دوائر الخوف: قراءة في خطاب المرأة، ص 98.
(26) زكي الميلاد، الإسلام والمرأة: تجديد التفكير الديني في مسألة المرأة، (بيروت: مركز الحضارة لتنميّة الفكر الإسلامي، ط1، 2008)، ص 79.
** اللوحتان الفنيّتان في المقال للفنان العالمي فريدون رسولي.
*****************************
*أكاديميّة وكاتبة من الجزائر
khadidjazetili@hotmail.fr

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق