ما يجري في عالم اليوم لا تحكمه لا اتفاقيَّة وارسو (حول حق الاقليَّات في
تقرير المصير) ولا اتفاقيَّة ويستفاليا حول الدولة - الأمة (الوطنيَّة)، من جهة أن
الحدود السيَّاديَّة لم تعد كما كانت، أي أن العلبة السوداء للسيادة الوطنية
بتعبير سيلا بنحبيب يتوجب فتحها، فالمهاجرون يتدفقون من كل حدب وصوب كما تتدفق
الأموال والسلع والمعلومات، لقد صار كل شيء معولماً حتى ما نعتقد أنه حبيس
حميميَّتِنا الخاصة، لهذا "نستطيع أن نسمى ما نذهب
إليه في اللَّحظة الحاليَّة بأنه أزمة الديمقراطيَّة، انكماش الثقة، نعتقد أن
قياداتنا ليست فقط غبية وفاسدة، لكنها أيضًا حمقاء.
الفعل يستلزم القوة لتتمكن من اتخاذ القرارات، وبالطبع نحتاج السيَّاسة، التي
تُعطيك القدرة لتقرر ما تحتاجه"(زيغمونت باومان)، ومن كان عليهم أن يُمارسوا
السيَّاسة توجهوا إلى وسائل التواصل الاجتماعي الذي يعتبره باومان "مجرد
فخٍّ"، بحيث نعتقد أننا ننتمي إليه لأنه يمنحنا السُّلطة في حذف هذا أو ذاك
من قائِمة الأصدقاء، أو السُّلطة في إضافة هذا أو ذاك، في حين أن الصداقة أبعد ما
تكون، وأن تختزل في "وخز الفأرة"، الصداقة لقاء والتقاء، شعور وتعبير،
تبادل وتفاعل وانفعال، لأن هناك "قيمتان لطالما كان صعبًا التوفيق بينهما،
الأمن والحرية، فإذا كنت تريد الأمن، عليك أن تتنازل بقدر معين من الحرية، وإذا
كنت تريد الحرية، فعليك أن تتنازل بقدر معين من الأمن، هذه المعضلة ستستمر إلى
الأبد"، فالصراع الدائر الآن يتمحور حول علاقة الفرد بالمجتمع، ولم يعد يتعلق
الأمر بنقص الأمن، بل بنقص الحريَّة، فالأمن توفره كل العدسات المحيطة بك من كل
الجهات، وأحيانا من حيث لا تعلم، وهذا ما يضفي على سؤال الهوية بعداً جديداً:
"سؤال الهويَّة تبدل، من شيء تُولَدُ بِهِ إلى مُهمَّة، والمُهِمة تكمن في
أنه يتوجب عليك صنع مجتمعك الخاص"، مجتمع تنتمي إليه لا أن ينتمي إليك كما هو
حال مواقع التواصل الاجتماعي، فأية علاقة تربط بين المجتمع والفرد ومواقع التواصل
الاجتماعي؟
الفرد جزء من المجتمع ولا يستطيع الفكاك منه ولا تعويضه بشبكات التواصل
الاجتماعي أو عالم التقنيَّة (العُبُوديَّة الرَقميَّة)، في حين أن الشبكات
الاجتماعيَّة هي جزءٌ من الفرد وتنتمي إليه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق