الأحد، 14 يناير 2018

أثر الكاتب


كوة: العلوي رشيد
لا تبحث عن أثر الكاتب في نفوس وآراء أشخاص آخرين أثر فيهم أو ساعدهم على بناء رأي ما، ولا في عباءة مسؤول سياسي. قد تجد أثر الكاتب في خشب مكتبه، وعلى آلة الرقن الخاصة به، في مطفأته أو كأسه التي يتلذذ الشرب منها. قد تجده في أخبار الجيران عنه، أو حكاية بواب حيه أو مسكنه.
ستجد أثر الكاتب في مقعد سيارته وعلى الكرسي الذي يواظب الجلوس عليه في مقهاه أو حانته المفضلة، وفي ركام الأوراق حيث لم يسعفه الوقت كي يعيد ترتيبها أو التخلص منها.
حينما تقول إن للكاتب مسؤوليَّة فذلك يعني أنه مسؤول عما يكتب أو نشر، لا عما فهمه الناس من كلامه أو كتابته، هو مسؤول لا على أفعاله الطائشة أغلب الأحيان، وإنما على أفعاله وهو خجول من نظرة الجمهور في برنامج عمومي. مسؤول على مواقفه الثابتة والتي لا شك يحتاجها الكثير من الناس في لحظات حرجة جدا.


سلطة الكاتب: هي سلطة معرفية أولا، وسلطة رمزية ثانية، بحيث يتم تسويق اسمه وأثره وصورته وأحيانا سيرته لكي يكون نموذجا، ليساهم في عملية إعادة الإنتاج بوعي أو عن غير وعي. سلطة الكاتب في أن يقف ضد كل سلطة كيفما كان نوعها، فلا القوانين قادرة على لجمها ولا حتى على تفسيرها، لأنه يضع أحيانا القوانين التي يكتب بها ويوظفها في السرد والحكي والتحليل والتفسير. للكاتب سلطة على الشخصيات التي يبتكرها ويسند لها أدوارا قد يكون عاجزا على لعبها أو فاتته أحيانا فرص لم ينتهزها لذلك يعيد إنتاجها لإرضاء الذات والتغلب على تأنيب الضمير.
كن حذرا كثيرا من شخصيات الكاتب، لأنها قد تخرج عن سيطرته حالما يخرجها للعموم، بل بالتأكيد تنفلت منه حينما يقذفها للعموم، وهو يظن أنه لم يعد مسؤولاً عنها.
لا شيء يمكن أن يهزم سلطة الكاتب غير شخصياته المتخيلة أو الواقعية. ولكن ما يفضحه هو ما يضمره من كبت وكبح مخالف لطبيعته وسجيته الأولى.
ثقافة الكاتب، ليست واسعة بالقدر الكافي ولكن له قدرة هائلة على التوليف بين الوقائع والأحداث بما فيها الأحداث غير الهامة في نظر الجميع.
ثقافة الكاتب ثقافة مملة وخجولة ومتعبة: قد لا تعجبك أفكاره ونظرته للأشخاص والأحداث، ولكن حتما سيعجبك أسلوبه أو لغته أو شطحاته في الإذاعة أو التلفاز.
رفقة الكاتب غير مفيدة على الاطلاق لمن يريد أن يكون كاتبا، لأنه سينفر حتى من حلمه قبل أن يبدأه بسبب ضجر سلوكاته وممارساته ورؤيته للناس وللشأن العام. ولكن حينما تريد أن تكون كاتبا فاشلا فاصطحب كاتبا مرموقا.
الكاتب المرموق هو كاتب مرغوب فيه، أعلت من شأوه سلطة سياسية أو دينية معينة. كاتب لمع نجمه بفضل سخاء شخص يريد أن يقرن ثروته أو شجعه بالكاتب، أو لربما يكون قد وقع في غرام عشيقته الرابعة فللكاتب ما لا يحصى من العشيقات.
الكاتب المرموق هو كاتب أوحى له البعض بكلام لم يفهمه وهرول إلى تدوينه ونسبه إلى نفسه دون أن يمنح لنفسه المسافة الكافية لبناء الحجج والاستدلالات عليه.
أما الكاتب الفاشل فمن المستحسن أن ينال إعجابك أولا لأنه فاشل، وثانيا لأنك قد تكتشف فيما يكتب أشياء لم تسمعها من قبل أو لم تعرفها سلفا.
الحقيقة أن الفاشل هو المرموق معكوسا، فلتوسع من دائرة إدراكك لوظيفة الكاتب الفاشل.
فكر الكاتب: فكر دوغمائي كسول، يعيد الأسماء ويكرر الأفكار المعروفة جدا في تاريخ البشرية، لكن انتبه إلى تعليقاته على كل ما تعرف عن العباقرة وذوو النباهة. انتبه جيدا إلى كلماته الصامتة والصدعة في الآن نفسه وحاول أن تؤلف بينها وتخرج بجملة غير مفيدة.
فكر الكاتب كوني: يخرج من بين جدران مكتبه نحو الكون، يتأمل، يحس، ينفعل، يتجرد، ويخط كلاما مكتوباً على هداه وهدى من أوحت له بالفكرة، فلها كل الأجر في تقديم كاتبها للجميع، كما لها فضل إزعاجه حينما يدون أشياء لا تسم ولا تغني من جوع، وحدها من يفهم شخصيات الكاتب، ولا أحد غيرها بمن فيه الكاتب نفسه. من توحي للكاتب بسر، هي أعظم كاتبة أكثر من الكاتب.
أثر الكاتب لن تجده فيما كتب، بل فيما كان متواجدا في محيطه أثناء كتابته، وهو يقوم يوميا بعمل روتيني وممل، ولكنه صبور فقط لأن أحدا ما ينتظر أثره.
من أرشف الكاتب:

ألمُ الكاتِب

THE AUTHOR’S SPEECH

فرح الكاتب

عزلة الكاتب

أثر الكاتب

المقعد

ظِلُّ الكاتِب

خطاب الكاتب

قلم الكاتب

The Author’s Chair – كرسي الكاتب ترجمة رنا خالد


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق