الثلاثاء، 16 يناير 2018

الإسلاميون والمرأة... عقوبة اجتماعية وإقصاء سياسي

عبد الجليل معالي

الباحث عن تمثل وضعية المرأة العربية خاصة، في فكر وأدبيات تيارات الإسلام السياسي، سيحتاج للعودة إلى العام 1928 لحظة تأسيس جماعة الإخوان المسلمين، التي كانت التعبيرات السياسية الأولى لانخراط مجموعة إسلامية في مجال العمل التنظيمي السياسي. على أن بحث وضعية المرأة في نظر تيارات الإسلام السياسي سيحتاج الانتباه لمسارين؛ مسار سياسي ومسار فكري. المسار الفكري يمكن تلمسه من خلال كتابات شيوخ ودعاة ورموز الإسلاميين، والمسار السياسي يمكن تبينه من خلال واقع المرأة العربية في الممارسة السياسية في البرلمانات أو داخل التيارات الإسلامية ذاتها.

الرابط



المرأة المحجوبة في الفكر والممارسة
الحديث عن المرأة عند التيارات الإسلامية، والذي يقتضي الحفر عميقا في أخاديد التراث الإسلامي، وتحديدا في المدونات الفقهية، ينتهي بملاحظة أساسية مفادها أن قضية المرأة في الإسلام السياسي تنتمي إلى جنس من المفاهيم القلقة التي لم تتوصل التيارات الإسلامية إلى إخفائها أو إلى الحسم في إشكالياتها.
قضايا من قبيل الجبر والاختيار والحداثة والمعاصرة والدين والعلم والاقتصاد الإسلامي، إضافة طبعا إلى قضية المرأة هي ملفات مترتبة عن احتكاك منظومات ثقافية متنافرة أو عن احتكاك العالم العربي الإسلامي بالعالم الغربي، وهي أيضا ملفات عجزت خلالها التيارات الإسلامية عن مبارحة حالة التردد بين مقتضيات الاجتهاد وضرورات الوفاء لأصولية تستمد منها كل أدبياتها.
في العام 1984 صدر كتاب محمد رشيد رضا “حقوق النساء في الإسلام وحظهن من الإصلاح المحمدي العام”، وشدد فيه على أن الإسلام نادى بمشاركة النساء للرجال في المحالات الدينية والاجتماعية والسياسية، وعلق عليه الشيخ محمد ناصر الألباني (وهو من حقق الكتاب وقدمه) بالقول “هذا الإطلاق باطل لمنافاته لعموم آية ‘وقرن في بيوتكن’ وما كان عليه نساء السلف من عدم التدخل في السياسة”.
متن محمد رشيد رضا ورد الألباني هما اختصار لمسار طويل من الشد بين محاولات محتشمة للمصلحين والمجتهدين والمجددين وبين سعي هادر للعودة إلى الأصول من قبل الدعاة والفقهاء الذين يصرون على أن النظر إلى المرأة لا يجب أن يخرج أو يشذ عن تصورات السلف الصالح.
التصور الأصولي للمرأة، وهو التصور الذي يمكن تلمّسه أو تبين صداه لدى كل التيارات الإسلامية، لا يخرج من ثوابت أساسية جامدة: ثابت اعتبار المرأة عورة، وما يترتب عن ذلك اجتماعيا وأخلاقيا وثقافيا، في مسائل الأدوار واختصار وظيفة المرأة في الإنجاب وتربية الأطفال وغير ذلك. وثابت ثان هو وجوب احترام ولاية الرجل على المرأة وما يستتبع ذلك من نتائج سياسية من حيث مشاركة المرأة في السياسة والشأن العام.
هذه الثوابت الأساسية وتفرعاتها الكثيرة حكمت وطبعت التراث الإسلامي الناظر للمرأة وأنتجت النظرة الفقهية الدونية للمرأة، وهي نظرة موسومة ببعدين من الخلل: بعد أول ينطلق من أن التراث لا يعدو كونه مجرد تأويلات واجتهادات فقهية بشرية لفهم النص الديني. والبعد الثاني هو أن هذا التراث حرص على ألا يبارح موقفه الجامد من تلك التفسيرات والاجتهادات ولم يفتح نوافذه للتجديد أو الاجتهاد.
وضعية المرأة العربية الإسلامية في التراث الفقهي أثرت على وضعيتها في الممارسة السياسية وعلى دورها الاجتماعي، والأهم أنها حددت سلوكيات التيارات الإسلامية الحديثة والمعاصرة، والتي ورغم وصولها إلى السلطة إلا أنها واظبت على اعتماد إشارات هذا التراث هديا ونبراسا لها في ما يخص قضايا المرأة وقضايا أخرى.
المرأة هي الضحية الأولى للتراث الفقهي الذي وضعها في إطار لا فكاك منه، قوامه نظرة دونية لم تتغير منذ قرون
في خطاب ألقاه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عام 2014 قال “لا يمكنكم وضع النساء والرجال على قدم المساواة”، وأشار إلى أن هذا “يخالف الطبيعة” وعلل أن “نشطاء الحركات النسوية لم يفهموا أهمية الأمومة في الإسلام”.
وفي العام 2012 قدمت لجنة الحقوق والحريات التابعة للمجلس الوطني التأسيسي، وكانت بأغلبية إسلامية يومئذ، مشروع قانون يعتبر أن المرأة هي “المكمل للرجل داخل العائلة”. مشروع لاقى رفضا واسعا وتنديدا كبيرا من قبل المنظمات النسوية وغيرها من تشكيلات المجتمع المدني في تونس.
وفي مارس 2012 صدر بيان من تحالف المنظمات النسوية في مصر اعتبر أن “إقصاء النساء الذي يقوم به الإسلام السياسي المسيطر بكافة أشكاله من تقديم مشاريع قوانين تسلب المرأة حقوقها الإنسانية كالحق في الخلع والحق في سن للزواج لا يقل عن 18 عاما إلى استبعادها من كتابة الدستور، هو أمر تشجبه نساء مصر ويؤكدن عدم قبولهن له، وسوف نناضل مع جميع القوى السياسية والاجتماعية الرافضة لهذه التوجهات الدكتاتورية للانفراد بالسلطة والرافضة أيضا للممارسات البغيضة ضد النساء التي هي بعيدة كل البعد عن أدياننا السماوية”.
لن يكفي الحيز لاستعراض تعامل التيارات الإسلامية في مختلف أرجاء العالم العربي الإسلامي مع المرأة، فمن غزة إلى السودان تتفق التيارات الإسلامية على تكريس النظرة الدونية للمرأة، عورة أو مشروع ولاية، والمثير هنا أن الأدبيات التي تستند إليها التيارات الإخوانية في تبرير مشروعها الاجتماعي هي نفسها التي يتكئ عليها تنظيما داعش والقاعدة في التعامل المغالي مع المرأة، على أن الفرق البسيط هو أن التيارات الإخوانية أكثر مناورة وانحناء عند العواصف من التنظيمات التكفيرية الأخرى، إذ لا ينفي هذا الغلوّ وجود بعض “التنازلات” التي تقدمها التيارات الإسلامية خاصة أثناء المحطات السياسية الكبرى، لتروج للحديث عن ضرورة المحافظة على المكاسب الاجتماعية، مثل تصريح راشد الغنوشي “تجدد حركةُ النهضة التزامها لنساء تونس بتقوية وتفعيل دورهن في صناعة القرار السياسيِ بما يمنع الارتداد عن مكاسبهن… وبالتأكيد سيكون للمرأة حضور في الحكومة المقبلة، وسنعمل على أن تمثل المرأة المحجبة وغير المحجبة لتعكسَ واقع تونس..”.
بين المرأة “العورة” والمرأة “موضوع الولاية” (أو وجوب ولاية الرجل على المرأة) نتبين أن واقع المرأة لدى التيارات الإسلامية محكوم بمقتضيات نظرة دونية شاملة، تبدأ من كونها عورة وتمر عبر ضرورة صون المجتمع الإسلامي من شرور الانفلات والانحلال الأخلاقي ولوثات التغريب، وصولا إلى إبعادها من المشاركة السياسية والاجتماعية الفاعلة. والدليل على ذلك واقع المرأة في المجال السياسي العربي وحتى في التنظيمات الإسلامية ذاتها، إذ يندر وجود قياديات في الأحزاب الإسلامية.
وفي هذا الصدد يشار إلى أن المنظر الإخواني عبد الرحمن البر أكد أنه “لا مانع من ترشح المرأة للانتخابات النيابية وخروجها للتصويت، مع ضرورة التزامها بالضوابط الشرعية، خصوصا أن هذا الترشيح يضع المرأة المسلمة في معركة تواجه فيها النساءَ غير الإسلاميات… فيما المطلب الملح هو أن تحمل المرأة المسلمة المشروعَ الإسلامي إلى ساحةِ مواجهة نساء يحملن مشروعا يعمل على إفساد المجتمع”. هذه الفتوى التي لم تر مانعا في المشاركة السياسية للمرأة انطلقت من وجود معركة مع “غير الإسلاميات” أي أن المرأة تمثل عنصرا من المعركة الكبرى مع “ديار الكفر”.
المرأة هي الضحية الأولى للتراث الفقهي الذي وضعها في إطار لا فكاك منه، قوامه نظرة دونية لم تتغير منذ قرون، بل إن كل التيارات الإسلامية، تلك التي تدعي المدنية أو تخوض المعارك في الميادين ضد الكفار، مجمعة على أن المرأة دون الرجل ولا يمكنها (بمقتضيات الفقه) المشاركة المجتمعية أو السياسية.
من القرطبي صاحب “النساء حبائل الشيطان” إلى أردوغان مرورا بيوسف القرضاوي، لم تتغير المرأة في النظر الإسلامي، فهي عورة ومشروع ولاية.
العرب عبد الجليل معالي، نُشر في 2017/03/08، العدد: 10565.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق