الاثنين، 30 أبريل 2018

الـــمرونة تطـــبيق عمــلي للتعايش والعطاء المتجدد



جــــــــميلة مــــــــرابـــــــط – كاتـــبة وباحــثة – المغرب
jamila-tobi@live.fr
إنَّ الناظر في قاموس الحياة سيجد أن التطور والتغير حالة ضرورية لتجاوز الجمود، وغالبا ما ينجم عن هذه الحركية تحولات وتغيرات تؤثر على مسيرة حياتنا. وفي كثير من الأحيان تغير من مجرى الأمور؛ بل وقد تصل إلى مستوى أحداث صادمة وتحديات مما تفرض على الإنسان مواجهتها بقدر كافٍ من المرونة.
نعم المرونة، العمود الفقري للحركة الدينامية التي تتناول السلوك والبيئة بالتغيير والتعديل، مما يؤدي إلى تجاوز العقبات والضغطات، فيشعر الإنسان بإيجابية إنجازه وفق شروط الواقع والمواقف الحياتية.


فهي أيضا السبيل للأخذ والعطاء، فمن الصعوبة أن يعيش الإنسان مع نفسه دون أن يختلط مع بقية المجتمعات الأخرى، ودون أن يدخل في عملية تبادلية مع طرف ثان، أو مع أطراف أخرى تقوم على التوافق حول مصالح أو ضروريات مشتركة، وهذا يتطلب ذهنا وفكرا مرنا يكسب صاحبه ليونة ليتقبل التعايش مع من يخالفه في التوجه والسلوك. لأن الأفكار قابلة للنقاش والتعايش في معناه العام قبول فكرة التعدد، مع إمكانية التفاهم وتقبل الآخرين وعدم الاصطدام بهم والتفاعل معهم بتبني طريقة تكون أكثر إنفتاحا واستيعابا للتغيير التدريجي.
لذا نجد أواصر التعايش كبيرة وسبل تطبيقه وفيرة، والعاقل من أدرك أن الحياة تسع الجميع بخلق بدائل في أسلوب تعاملنه مع المتغيرات والمواقف المختلفة والابتعاد عن التفكير أحادي الاتجاه، المحصور في نمط معين من النتائج. فعندما لا يحدث ما نتوقعه من نتائج نصاب بالتعصب والإحباط؛ وبتكرار العمل نورث الكآبة والملل مما يعرض أعمالنا للانقطاع، ونستهلك الكثير من الوقت والطاقة لكي ندرك أن الحل يكمن في المرونة، تمنح المرء الاستجابة بفعالية على إدراك الفرص في الاستمرارية وعدم الاستسلام بالتنقل من وسيلة إلى أخرى.
ومن خلال ما ذكر، هناك تساؤل مهم يرج في الأذهان ويفرض نفسه بإلحاح شديد، وهو:

  • هل المرونة ســمة في شخصية المرء وخاصية يمتلكها الجميع؟ أم مهارة يتم اكتسابها وتعلمها عبر مناهج وخطوات معينة؟
يقال ” إن الخلفية الواسعة تمنحنا مرونة إضافية”. بمعنى أننا جميعا لدينا بعض الشيء من المرونة، والأهم أننا فعلا قادرين على أن نصبح أكثر مرونة. بالوعي والممارسة والانفتاح، وتقبل التغيير وإعطاء للعقل حقه في التأمل والصفاء الذي يحرر خيال ويوصل إلى إنتاج أفكار إبتكارية وسلوكا تكيفيا إيجابيا في مواجهة المحن ومصادر الضغط… فالمرونة ترتبط بالدرجة الأولى بتصوراتنا السابقة وتصرفاتنا وعواطفنا ودوافعنا وعادة ما يؤثر تغير البيئة والموقف والسلوك على طريقتنا بالتفكير.
في هذا الإطار، يتم التمييز بين المرونة التكيفية والتي تعبر عن قدرة الفرد على تغيير وجهته الذهنية التي ينظر من خلالها إلى حل مشكلة ما ؛ وبين المرونة التلقائية التي تتحدد في سرعة إنتاج حلول ممكنة من قبل الفرد بناء على استعداده الانفعالي.
فقد أثبتت عدة دراسات خاصة في الكتابات المتعلقة بعلم الإجتماع وعلماء النفس، أن الإنسان مجهز بنظام يسعى دوما إلى المحافظة على التوازن الداخلي والخارجي، وعندما يسعى الفرد على اكتساب المرونة إضافية يعمد إلى سلوك تكيفي الذي يحاول من خلاله إزالة ما قد يحدث من توتر وإقامة علاقات ناجحة مع البيئة المحيطة.
  • كيف نستثمر المرونة كسلاح لمواجهة المستقبل وتحقيق الأهداف؟
تعددت تعريفات المنظور المستقبلي من قبل العلماء والباحثين، حيث تم تناولها تحت مسميات مختلفة، ولكنها تعطي نفس المعنى؛ إذ يتضمن قدرة الفرد على ربط الحاضر بخبراته وما سيحققه في المستقبل من أهداف والتي تتحقق عن طريق بذل الجهد والمثابرة، مع قابلية الفعل الإنساني والاجتماعي للتغيير.
لأن التغيير حالة ضرورية للوصول إلى أي مكان في الحياة، والبدء في التغيير يحتاج منا تجديدا في الفكر وفي السلوك المقترن بخاصية المرونة، التي تمنح قدرة التفكير في اتجاهات مختلفة ومستمرة، وقدرة على التحليل والتركيب أثناء ممارسة السلوك في مواجهة مهامه اليومية. وكل ذلك يسهم على زيادة الدوافع لدى الفرد لتحقيق التميز وبذل الجهد المطلوب لتحقيق الأهداف بنجاح وإتقان.
فالأمر أشبه بإستعمال تقنية البرمجة اللغوية العصبية، حيث يتخيل المرء أهدافه من عدة زوايا لتحليلها ودراستها وتقييم أدق السلوكات للوصول إلى الخطوات الضرورية لإنجازها، وهذا يتطلب درجة عالية من المرونة كعدسة يبصر من خلالها طرق بناء صياغات ملائمة وفقا للمتطلبات المستجدة، وأيضا تغيير الصياغة عندما لا تبرهن الصياغات المتاحة على مناسبتها أو فاعليتها أثناء ممارسة السلوكية مع المواقف المتنوعة. ومن هنا نستنتج عن وجود ارتباط قوي بين المرونة والنظرة المستقبلية لإنجاز الأهداف، حيث أن الشخص المرن لديه قدرة على المقاومة والاستمرارية في مواجهة المواقف الصعبة، بتحويل مسار تفكيره وتوليد أفكار جديد وحلول للتقدم للأمام.
إن العامل الأساسي لعرض هذا الموضوع بين أيدي القارئ، للحكمة القائلة “لا خير في كلام لا يدل على معناك ولا يشير إلى مبناك وإلى الهدف الذي إليه قصدت والغرض الذي إليه نزعت”. وبالتالي فقد حاولت تبيان أن التميز والنجاح الحقيقي يمكن في الاستمرارية والتأقلم مع ما هو جديد والقدرة على التعايش اجتماعيا مع الآخرين والانفتاح على صعيد القدرات والقوى لتقبل المستجدات والتغيرات. لهذا يقال كن واضحا عندما تحدد أهدافك في الحياة لكن كن مرنا عندما تطبق الخطوات.
ويبقى السؤال مفتوحا: هل أنت فعلا مرن بما فيه الكفاية للاستمرارية على نحو إيجابي لتحقيق الأهداف؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق