الاثنين، 30 أبريل 2018

“الشيطان” فاكهة الشر الاستيطيقي



نوال شريف
أنظر إلى هذا العالم بعين خالية من ما مضى في كل الرحلات السابقة، في عوالم مختلفة، من المحتمل أن تكون قد عشتها ،قبل أن يقوم الشيطان بتكوين فكرة وجوده ،وقبل أن تغرس يد البدء الحلزوني في التراب شجرة، وقبل أن تخلق اللغة كوسيلة اغراء تستعمله الأفعى..
عندما كان إبليس أكثر انشغالا بصنع آلات الفن، تحدث فولتير بلسانه قائلا:
عندما يكون
الموت البطيء شائعا
يطلبونني بالاسم
كما ترون
من أجل لمستي الخاصة
للرجال أنا السيدة: “مال”
للنساء انا السيد: “مكافأة ”
لكن نادوني بأي إسم
كلها سواسية على أية حال
أنا الذبابة في حسائك


أنا الحصى بداخل حذائك
أنا القملة تحت لحافك
أنا الدمعة على كل رأس
أنا القشرة التي تنزلق بها
أنا دبوس على ردفك
أنا الشوكة على جنباتك
تجعلك تتلقى وتتكلم
والأمر سهل
عندما تكون سريرا
أنها الحياة
كما ترى
الشيطان يرفع لي القبعة
أفعل هذا لأني شرير
أقوم بذاك كله بالمجان
دموعك هي المبلغ الذي
أحلم به
عندما تكون هناك
أطفال تحزن
عندما تكون هناك حلوى
للتسرق
عندما تكون هناك جيوب لتنتشل
عندما تكون هناك
جدات يسقطن من الدرج
سأكون حاضرا
سأكون منتظرا عند الزاوية ..
هل هذه الرؤيا حقيقية؟
هل ما نسمعه ونقوله حقيقي؟
هل تمثل الأجسام والأجساد والمجسمات والأشياء ،يأخد شكله الحقيقي؟
هل هناك حقيقة؟
هل هناك مخلوقات لها أجنحة تحلق في سماء الخير،وتنشر المحبة وتسمح الخطايا؟
هل هناك خطايا ؟هل هناك شيطان؟
هل للشيطان قلب أسود؟ هل الأسود انعدام الضوء ومنبع الألوان كلها؟هل للشيطان لغة وهل له لون؟
ا هو أسود كالعدم الذي يؤرق حدودنا الاستيعابية للنقطة الانطلاقة الفعلية للوعي البشري ؟
هل هو أحمر كلون الحب الذي لطالما يرتبط بالماء الذي يقوم بغسله وتطهيره باعتباره ممارسة خارجة عن إطار القدسية؟
هل هو أحمر كالدم المسفوك على أرض لم ترتشف الدم إلا بعد قصة عشق بين اخوة لم تكن جريمتها في البدأ أخلاقية ؟حيث لم يعرف نتش بعد مفهوم النشوة التي تصنع الأساطير ولا فرود الذي كان سيقوم بتفكيك نانو العقدة الضخمة .
غالبا ما نربط الشر بما يجعلنا نستمتع به وبلذته الفردية ،فدلالة الأحمر والذوق الحلو التي تم ربطها بعقاب حارق ومر دلالة عميقة ،تمثل ألاحكام الجائرة في حق الفن وفي حق كل ما له بعد جمالي استيطيقي محض،
الشيطان بكل بشاعته وقبحه اختار لقصة الوجود المعقدة فاكهة مغرية شكلا وذوقا ،لتكون عنوانا لحكاية صراع بين الزمن وعقدة الذنب.
في البدأ كان الصمت،في البدأ كان الصوت  ،في البدأ ماذا كان؟
لكن لابد وأنه لم يكن هناك شيء حتى بزوغ العقل.
اللغة لم تكن كافية ،لكنها كانت.واتخدت أشكالا معينة ،تتغير عبر الزمن ،هذا الزمن النسبي كحقيقة لا توجد ،وحتى ان وجدت فهي  غير صالحة لأن تكون منطقية، لأن المنطق وهم في حد ذاته مبني على قواعد وهمية يمكن أن نسميها تمثلا جماعي أجهضته عقول لم تستطع اختراق الامرئي من قوات العقل الامتناهية.
بين العقل والروح الكثير من الوهم،وبين الحياة وفكرة الموت كثير من الوهم و،والوهم في حد ذاته  أقوى من كل ما يكون أن نسميه بالحقيقي،فهو غير قابل للمس لكنه قادر على أن يوخز ويقتل،ويحي(فنيقيا ).
الموت أكبر فن ،أكثر الفنون تأثيرا في البشرية، فنون الحرب هي فنون الموت التي تكمن  داخلها كل السادية ،والألم، واللذة المتكونة فطريا في الوعي البشري،وهي نفسها التي وضعت هذا الاحساس في محل إسقاط وقامت بتشكيله تحت مسميات قبيحة “شر” “شيطان” “جريمة حرب”.
“الفن والزمن”،الزمن وضع لنا تاريخ إنتهاء الصلاحية،كأي منتوج قامت بصنعه شركة معينة، الحياة هي التجربة الممتعة الوحيدة سواء كانت حياة سعيدة أو تعيسه  ،تبقى الحياة المجال الوحيد الذي يمكن   أن تكون فيه شريرا وان تلجىء لفنون التوهيم وتقوم بلعب دور القديس الطاهر،والفقيه الناصح ،والراهبة العفيفة والشيخ الوقور ،أما الموت فهي المراة الكبيرة ،الموت مجموعة من المرايا،نفس المراة التي تحدثت من خلالها الافعى ،هي نفسها المراة التي ستظهر القبح البشري المتجرد من جلدة الشيطان ،حيث يندثر الشيطان ويظل العقل.
الكتاب وأهل الفن عموما ،تصالحو مع شيطانهم وأدركوا ان هذا الشيطان السادي،الملعون بالخطيئة ،يشكل جزء منهم وأحيانا لايستطيعون التفرقة بينهم وبينه.
الفنان يصرخ باسم الفن ،وينادي ،ينادي من أجل الشعر والموسيقى والجمال ؛والتحليق خارج حدود الوعي البشري محلقا بعيدا،يخترق رحلة الحياة ويتجاوز الزمن ويموت في تجربة الموت عميقا.
كما تحدث نتشه عن تضاد الجمال والقبح ليس هناك من شيء  جميل، الإنسان وحده  هو الجميل :علم الجمال بكليته يرتكز على هذه القولة:انها حقيقته الاولى ،كما أن ليس هناك من شيء سوى الإنسان في طور الفساد،وهنا يمكن أن نكون قد قمنا برسم حدود حقل الحكم الجمالي، ومن خلال النظرة الفيزيولوجة؛ كل قبيح يضعف ويفكر صفر الإنسان أنه يذكره بالموت،الخطر،العجز. ..
حيث أضاف من خلال حديثه عن القبح:(عندما يصبح المرء منهارا؛يستشعر حينما قرب شيء قبيح.)

الخوف من الفنون والفن ،لا يمكنه اعتباره خوفا من الفن في حد ذاته،بل خوف من فتح مجال للتعبير أكثر حرية خارج النطاق الجماعي العقيم وخوفا من فتح أبواب   اللذة والنشوة وكل ما يمكنه أن يخرج الشيطان من عمق الإنسان.
كما قال نتشه في إطار الحديث عن مفهوم الفن :لكي يكون هناك فن لابد من توفر مفهوم النشوة،فالنشوة هو الشعور بتفاقم طاقة غير مفسرة، ورغبة في تفريغ الامتلاء، والثائر عن التمثل الجماعي،يصبح عدوا للجماعة وقد يقام نعثه بكلب الشيطان.
ربما لهذا السبب أشعل ديوجين مصباحه نهارا ربما ،ليظهر الشيطان الكامن خلف الجلد البشري ،وصاحب فلسفته الكلبية ،وكأنه يطرد الملائكة ويطرد الخير
ضدا في المقولة التي تقول”البيت الذي تحرسه الكلاب لاتدخله الملائكة”
كان ديوجين يؤمن بوفاء الكلاب أكثر من وفاء الملائكة.
عندما ظهر فصل الربيع ،وخصوبة الأرض، كان لابد وأن يربطه الوجود البشري بالجمال فمثلوه في آلهة الإغريق  ،اينانا،ليتسع الاسم في تشكيله حسب بيئته ،عشتار..الخ
وعند الشعور بالعاناة البشرية وثقل السؤال الوجودي فلابد وان تمثل الأمر في شكل رجل ضخم مفتول العظلات ،قادر على دحرجت حجرة والدوران معها دورانا ازليا.
وعندما شعر بأن هناك طاقتين متناقضتين ،اخد الكيان البشري الطاقة الأكثر هدوءوالأقل غموض وهي (طاقة الخير) ،وقام بطرد الطاقة التي يراها سوداء خارج جنة عقله وقام باعطائها اسماء عديدة ،”لوسفير” ،”ابليس”،”احريمان”،”نكرامينو” ،مارا”،”شالا”…
لكن الاسم الغالب والأكثر تداولا هو “الشيطان”والذي يحمل في طياته تقديس غير مباشر، حيث مصدر الكلمة هو(شط،ساط،شوط،شطن)ومعناه الاحتراق هو “النار”لطالما كان اكتشافها اكتشاف عظيم ،وكانت مقدسة ولازلت.
ويظل ارتباط الشيطان بالعبقرية ارتباط ازليا وحتى في حضوره عند إسحاق نيوتن، فقد أحضر معه مكونات الزلة الأولى وميكانيزمات بنائه كفكرة:الشجرة، التفاحة،الإغراء، الجاذبية، الدهشة. .
وهكذا أكمل فولتير كلام الشيطان بلسانه:
أنا اقسم
بولائي المطلق
لكل الأشياء الظالمة
واقسم بروحي
الملعونة
أن أفعل كما اؤمر
مولاي “بلزباب”
لم ير قط
جنديا يشبهني
جندي لا يؤدي عمله
فحسب بل يستمتع به
انا الخوف الذي يؤرقك
انا الظلال على الجدران
انا الوحوش التي تحولوا إليك
انا الكابوس بداخل جمجمتك
انا الخنجر على  ظهرك
انا الرعشة التي يحسها قلبك
ألم أطعنة
بداية مباغتة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق