بعد النقاش الذي أثارته الجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة حول ما جاء ضد الفلسفة والعلوم الإنسانية والحقة في كتاب منار التربية الاسلامية، أصدرت وزارة التربية بلاغين توضيحيين، لتتملص من مسؤوليتها عما جاء من إساءة للفلسفة، كما اضطر رئيس الحكومة عبد الاله بن كيران بدوره إلى إصدار بيان لم ينصف فيها الفلسفة بسبب موقفه الأصولي من الفلسفة، وقد خصت جريدة آخر ساعة في صفحاتها عدد يوم السبت 21 يناير 2017، ردا لنا على بلاغ رئيس الحكومة جاء فيه:
"تصريح رئيس الحكومة عبد الاله بنكيران بخصوص مراجعة منهاج مادة التربية الاسلامية ومقرراتها الدراسية في مختلف المستويات التعليمية: ليس بغريب، لأنه ينسجم وموقفه الايديولوجي والسياسي. فقد سبق له أن صرح في شريط صوره موقع لكم يوم الاربعاء 30 مارس 2016 أن المغرب ليس بحاجة الى الشعراء والفلاسفة والأدباء بقدر حاجته الى أبناء ينتجون الثروة. وتهجم بن كيران على الآداب والعلوم الإنسانية كما تهجم عليها وزيره في التعليم العالي (الداودي)، بمعية فقيههم الريسوني سلفا بعد أن صرح بعبارة سفيهة جداً – لا تختلف عن عبارة ابن الصلاح التسفيهية - تتهجم على الفلسفة وتدريسها بشكل صريح "لسنا بحاجة لتدريس الفلسفة".
نعلم جيدا تتلمذ فقهاء الاسلام السياسي؛ في المغرب كما في بلدان عديدة، وقادة تجارة الدين الذين اعلنوا: "موت ونهاية لعبتهم السياسية" و"فشل تقيتهم الورعة" على لسانهم بأنفسهم؛ على شيوخ السلفية الوهابية، وتبنيهم لموقفها العدائي من الفلسفة ومن كل العلوم النقدية التي تشكل خطرا على ايديولوجيتهم المحافظة والبائدة. فإعمال العقل بلغة ابن رشد، يمثل الخطر المحذق بايديولوجية الاسلام السياسي، لأنه يغوص في الأشياء ويقارع الحجة بالحجة، ويدفع الناس إلى التفكير الجدي في الأفكار والاطروحات الايديولوجية بدل الاستسلام لها والانطلاق منها كمصدر نهائي واحد وأوحد لتهذيب الفعل البشري.
موقف بنكيران الايديولوجي يستمد أساسه ومصداقيته من كتب ابن تيمية وفتاوي ابن الصلاح، كما يستمد موقفه السياسي من النيوليبرالية التي يفرضها كخيار لا محيد عنه على كل المغاربة ارضاء للمؤسسات المالية الدولية، بحيث صادق على جملة مخططات تروم انهاء مكتسبات المغاربة في الوظيفة العمومية، عبر ضرب حقوقهم التي ضحوا في سبيلها اجيال عديدة. لهذا لا يرى أي نفع في تدريس الآداب والعلوم الإنسانية، التي تشكل أساس البناء البيروقراطي للدولة والتي تسيير المجتمع. السؤال المطروح هو ما الذي يقدمه بنكيران وحزبه بديلا عن الفلسفة والآداب والعلوم الإنسانية؟ التكوين المهني! فهو الكفيل بأن ينتج الثروة! صحيح أن للعلوم الدقيقة أدوار هامة لا ينكرها أحد لكن ليست دوما وحدها كافية في المجتمع، وحتى لو افترضنا أن هذا التوجه التقنوي الذي ينخر المجتمع اليوم نجح في إنتاج الثروة، فماذا سيفعل المغاربة بالثروة في غياب الفنون والفلسفة والآداب والشعر والفلسفة؟ هل انتاج الثروة غاية أم وسيلة؟ نعتقد أن غاية كل إنسان في الوجود هي السعادة: فهل تتحقق السعادة بالعمل الاستعبادي التقني والممل؟
تصريح بن كيران الأخير لا يجيب عن المشكلة بتاتا، وهو منسجم تماما مع بيانات الوزارة ومديرية المناهج، ففي الوقت الذي ننتظر فيه اعترافا صريحا بتناقض ما جاء في منار التربية الاسلامية وما نص عليه منهاج نفس المادة ودفتر التحملات، والدفع الفوري بالمراجعة، تأتينا تصريحات فارغة وتحايلية على عمق المشكل المطروح. لذا ننتظر الاعتراف بخطورة ما جاء في المنار من مضامين تسيء لا للفلسفة وحدها بل للعلوم أيضا التي قسموها الى شرعية وغير شرعية، وللديانات التوحيدية الأخرى التي تعرضت لازدراء ما بعده ازدراء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق